وجوه شمالية مجبولة بالشمس! - صحيفة عرعر اليوم

صحيفة عرعر اليوم


صحيفة عرعر اليوم

صحيفة عرعر اليوم

صحيفة عرعر اليوم

صحيفة عرعر اليوم

صحيفة عرعر اليوم

صحيفة عرعر اليوم

صحيفة عرعر اليوم

صحيفة عرعر اليوم

صحيفة عرعر اليوم





 

10-13-2016 01:27 PM

رمضان جريدي
رمضان جريدي


وجوه شمالية مجبولة بالشمس!

البارحة خرجت من بوابة الفندق الصغير في تلك المدينة الشمالية النائية، وجدت نفسي في وسط الشارع حيث الإزدحام والتعرق وأبواق السيارات المتشابكة، شعرت بالشمس كأنها تمسك بشعري وجبيني، لم أكن أعرف أن هذه المدينة الشمالية قد كبرت الآن، وأنها أصبحت تعج بكل هذه القوافل من الناس والسيارات والشاحنات، عبرت الشوارع، ألمح الوجوه المجبولة بالشمس والبنايات والأرصفة والأشياء، وأتحد مع الذكريات، عدت ثلاثين، أربعين عاماَ إلى الوراء، كنت طفلاً لا يعرف من الدنيا سوى الليل والنهار والملاعب، أذكر ذات صباح في يوم صيفي، استفقت على بكاء وضجيج لجارنا الطفل الذي رفض الذهب إلى المدرسة، لأنه لا يحبها، وكيف أن أمه ركضت إليه فغمرته ثم ربتت على كتفيه همست في أذنة طويلاَ ثم رضى وذهب، الآن هو محاضراَ في أحدى جامعاتنا العريقة، فاعلاَ إجتماعياً ومدرباَ، الصور أمامي تتراء كوميض برق، أذكر شخصاَ مهزوماَ يملك كل شيء ولا يملك شيئاً، يملك المال والصحة والبدن لكنه يفتقد أشياء ما، إنه يفتقد العاطفة والحس والرحمة والتقبل، إنسان بلا مشاعر، مات مريضاَ رثاَ كأنه فقير معدم، أتذكر ذلك البيت الطيني الصغير المتهالك الذي نصفه خشب، وكيف يعود ذلك الرجل وهو يسوق قطيع من الغنم فيلقي علينا التحية ويبتسم، كانت الشمس تسرع في الغياب ونحن الصغار لا نريدها أن تغيب، أتذكر الضباب حين يجيء الشتاء، وكيف يمر على الأرض ويلقي عليها الرذاذ، وكيف نلاحق الغيم وندعو أن يسقط الله علينا المطر، كنت صغيراَ وأنا أسمع الحكايات المتطايرة من أفوه الكبار، كنت أحدق طويلاَ في عيني أبي التي أخذت السنين تتراكض في حدقتيه، ثم أحزن عليه وأبكي، في عيون الأباء ينابيع خفية لا تجف، وشموعاَ لا تنطفيء إلا لتشتعل من جديد مثل منارات البحار، ترسل الأضواء كثيفة لإرشاد السفن الضائعة الجانحة، أتذكر عواء الكلاب الجائعة، ومواء القطط التائهة، وكيف كنا نلاحقها بلا إدراك ولا وعي، البارحة عشت خلف نافذة الفندق المطلة على الشارع في تلك المدينة الشمالية الصغيرة النائية، أسترجع الذكريات، أفتح باباَ وأغلق بابا، تذكرت الوجوه كلها والسراج والطرقات والحصى والشاحنات "الحصنية" الصغيرة، والرعاة والمرعى، والقيظ والشتاء، والرحيل الدائم نحو جهات الغيم، والربيع حين يحل الربيع وكيف تبتهج النفوس وتنتشي، والطير والغدير والكمأ، والبرد وموقد النار وصفير الهواء الآتي من شقوق بيت الشعر، والرعد والبرق المخيف، والسراب واليقين، والعطش، والطرائد التي بلا وجهة، والأفواه التي لفها طعم المرارة، وطائر القطأ الذي يغادر بيضه إلى المجهول يبحث له عن مأوى، ذكريات تلمع أمامي مثل مرآة على صفحة بحيرة راكدة، مرت في خاطري كل تلك اللمحات مثل سيلاَ من نقاط الماء، مشاهداَ وتعابيراَ وتعاملات وفجوجا، اليوم الوجوه الشمالية أزهر في عيونها الحلم، حلقوا عالياَ، أختصروا المسافات الطويلة، حرثوا الأرض الجافة وأنتجوا القمح من اليابسة، أصحاب الوجوه الشمالية السمراء صعدوا، حياتهم صارت مثل حديقة إنبهار، نجمة زرعت في خد السماء، ضوء عامر في الصحراء، حلقوا بثبات نحو الشمس، صاروا سلسلة عطاء، عرفوا الطريق، بعد أن أزحاوا الجليد، يمدون أذرعتهم لإحتواء المدى، ما عندهم تهاويم، ولغتهم نافرة بالبهاء.

رمضان جريدي
abumohannad01@gmail.com
ramadanjready@


خدمات المحتوى


تقييم
9.01/10 (17 صوت)




Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.

صحيفة عرعر اليوم
الرئيسية |الأخبار |المقالات |الصور |البطاقات |الفيديو |راسلنا | للأعلى