لسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مررت في أحد شوارع الفيصلية بعرعر وإذا أنا بمنظر طالما أثر فيّ كثيرا ولكن عين الغضب لم تتحمل أكثر من ذلك فبحت بهذه الخاطرة التي تعود بنا إلى الزمن القريب وما هو من الناس ببعيد ذلكم الزمن يتحدث عن من اتحدث عنه الآن انظروا معي إلى هذه الصورة المعبرة
ذلكم هو العميد
عميد التميز
عميد الإصرار
عميد التحدي
عميد الأسرة
عميد الماضي
عميد الهموم
عميد التجاهل
عميد ضياع الهوية
رأيت في أحد أزقة الشوارع أحد كبار السن جالساً على عتبة باب منزله ممسكاً بعصاه يتوكأ عليها ولا يهش بها على غنمه لأن الغنم قد بيعت بثمن بخس دراهم معدودة وكأني حين أنظر إليه قد تربعت على ضفاف قلبه الحزين الذي يكابر بطبعه إلا يخرج دمعه الدفين ذلكم الدمع الذي استهلك حياته من أول يوم خرج لهذه الدنيا الدنية إلى حين زمن من الزمن ... ذلكم العميد ليس يحمل ثلاثة أنجم وتاج على كتفيه كما يحمل العميد العسكري بل هو فاق ذلك بكثير كان يحمل سماء صافية ليست ملبدة بالغيوم ولكنها ملبدة بالنجوم نجوم التحدي والإصرار والإجلال والإكبار نجوم طالما اعتز بها المجتمع وكرسوا لها الجهود وحثوا الخطى وها أنا أرى اليوم لا يحثون عليها الخطي بل يحثون عليها التراب ... آه لك أيها الشيخ الجليل كم عانيت من هموم وغموم وكأني كما رأيتك في مساء ليل أرى شمسك قد غابت وغارت معها دموع قد حبستها تحت أجفانك ليس لأتك لا تستطيع التعبير عما في داخلك .... ، ولكن لكي لا تحزن من حولك فهم بالكاد يتحملونك ...ذلكم العميد يحمل تاجاً آخر ليس كتاج الديك ولا كتاج الكتف الذي ينزع مهما طال الزمن ومر بل تاج الوقار واحترام الذات يكفيك أبها الشيخ أن الله تعالى أوصى بك وربط الوصية بأن من أكرمك فقد أكرمه وربطك أيضاً بحامل القرآن الذي يحمل أشرف العلوم على الإطلاق يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه أبو موسى الأشعر رضي الله تعالى عنه وأرضاه قال : قال صلى الله عليه وسلم \" إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم \" رواه أبو داوود والبيهقي
عجباً لك أيها الزمن صحبت هذه الشيخ الكبير أيام وسنين طوال دارت معارك شهدتها معه وبصحبة وها أنت اليوم تتنكر له بل وتضيع هويته أمام هذا العصر العجيب تحت كل شعرة بيضاء قصة كفاح وحروب ونجاح رأيت ذلكم المنظر وكلنا قد رآه ولكنه أثر في كثيرا كما قلت أنفا ... لماذا كبار السن يجلسون على عتبات الدور بعد أن كانوا يجلسون في صدر المجالس .؟
لماذا يمسكون بالعصى التي يتكأون عليها فأين من بساندهم من أبناءهم وذويهم ؟
رأيت نظارته المحدبة قد أذهبت نضارة وجهه ولكنه قد تحمل قبحهها لأنه وجد الأُنس بقربها بعد أن تركه الأهل ومات الأصدقاء أو نسوه ؟
رأيت عصاه هذه التي كالعرجون القديم هي من تمسك به وليس هو وكأن لسان حالها يقول أشدد به أزري وأشركه في أمري ؟
رأيته قد غارت عيناه وبخلت عليه دموعه بالخروج لأنه يعرف إن خرجت فسوف يخرج معها بحور من الذاكرة لا يستطيع مقاومتها فضلا عن البكاء من أجلها ؟
رأيته والتجاعد في وجهه كالأخاديد المتعرجه وكأنها خريطة ذهنية تشرح للناظر إليها قصة مشواره في الحياة وكأنه تقول أيضاً كأنني أسمعها تنادي وتقول أنظر ها هنا فهنا الشرف والتضحية وكأنها إشارة خفية لا تكاد تمحي تذكر من نسي من الجفاه أن هذا الشيخ الكبير قد كان من الحفاه ؟
رأيت العامل البنغالي يقود ذلكم الشيخ وكأن هذا العامل قد كفل هذا الشيخ كفالة يتيم ؟
رأيته مطرقاً بعد أن كانت نظرته تسابق الثريا فقلت في قرارة نفسي قد أضحيت أيها الشيخ بزمن بلا هوية لديك بطاقة شخصية ولكن بلا هوية .
تقاعد ليس من السك العسكري ولكنه تقاعد من سلك الحياة ولكن بلا مرتب ولا حقوق تقاعدية .
حروف حزينة وأقلام دفينه أولجتها في قضيان الصراع لها تُخرج الدفين من العقوق المبين والله المستعان .
محمد كياد
|
