02-20-2019 10:01 AM عرعر اليوم _ جمال الدهمشي:بمناسبة يوم القصة العالمي ، نظّم النادي الأدبي الثقافي بالحدود الشمالية أمسية أدبية قصصية للفائز على مستوى المملكة في كتابة القصة الطالب فرحان بن عايد يتيم العنزي, مساء يوم الاثنين 13 جمادى الثانية 1440هـ على مسرح النادي الأدبي, وأدار الأمسية الشاب ياسر بن عايد الجرهدي, بحضور مساعد مدير عام التعليم للشؤون التعليمية الأستاذ عباس بن صالح العنزي, وقائد المدرسة التي يدرس فيها الطالب الفائز ومعلميه وعدد من زملائه الطلاب, وجمهور الحاضرين. في بداية الأمسية رحب مديرها بالضيف وبالحضور الكريم, ثم انطلق الضيف بشكره وتقديره للنادي الأدبي على هذه البادرة الطيبة, وشكر إدارة التعليم والمدرسة على ما قدموه من دعم وصولاً لتحقيق هذا الإنجاز على مستوى المملكة. ثم ذكر مسيرته بكتابة القصة مستعرضًا المراحل التي ساعدته في حصوله على هذا المستوى المميز, وأولى المراحل: القراءة , مبينًا دورها المهم والرئيس لكل كاتب, ثم استعرض قصته بيرق الحياة (مرفق القصة في نهاية التقرير). بعد ذلك فتح مدير الأمسية باب المداخلات والأسئلة للجمهور , وقد أثنى الحضور على تجربة الكاتب وثقتهم بإمكانياته ومراهنتهم على مستقبل الطالب كأديب وقاص , وتطلعاتهم للقصة القادمة. بعد ذلك بدأت المداخلات من الحضور والتي جاءت في مجملها للتعبير عن الشكر والتقدير للطالب الذي برع في الأمسية في إلقائه وهدوئه ولغته العربية السليمة من اللحن بما ينبئ بولادة كاتب سيكون له شأن في المملكة العربية السعودية يومًا ما إن شاء الله. وفي نهاية الأمسية تم تكريم فارسها الطالب فرحان بن عايد يتيم العنزي, وميرها ياسر الجرهدي،من قبل رئيس النادي الأدبي الأستاذ ماجد بن صلال المطلق بمشاركة الأستاذ عباس بن صالح العنزي مساعد مدير التعليم للشؤون التعليمية بالمنطقة , كما تم تكريم قائد المدرسة الأستاذ فالح بن غياض السلطاني ورائد النشاط الأستاذ سالم بن رجاء العنزي لدورهما المهم في رعاية الموهوبين من الطلاب في كافة المجالات، ثم قدم النادي الأدبي الثقافي إهداءً لفارس الأمسية عبارة عن إصدارات النادي الأدبي ومجموعات قصصية لكتاب. القصة هي : بيرق الحياة أشرقت شمس ذلك الصباح على إطلالة تلك القرية، ليزيح عن كاهلها ثقل الظلام , و شحوب العتمة باسطا ذراعيه الناعمتين على جدائل الأرض لينفخ فيها ( أكسجين ) العطاء و تراتيل الأمل .حتى تاهت هذه الصورة الحالمة الجميلة على وقع صوت نذير الحرب , و نشوب القتال , و ثورة حوافر العاديات شاحذا همم الرجال في تلك القرية المسالمة لمواجهة تلك الجماعة الباغية التي دخلت على حين غرة مشهرين سيوفهم وملوحين ببيارق الشر. اشتعل فتيل ذلك الصباح المنير بنار الحرب، و تلطخت إشراقة الأمل بنفحات الألم وبدأ القتال ومجالدة السيوف واختلط غبار الخيل مع أشلاء القتلى و أنين الجرحى , وحمى و طيس المعركة لتضع أوزارها على انكسار القرية وهزيمة رجالها , تاركةً تلك الجماعة المعتدية آثار الدمار والخراب و إزهاق الأنفس و سبي النساء كالنقوش التي لن يطمسها النسيان . وغص ميدان المعركة بالقتلى والجثث الممزقة . كان من بين الناجين أب لفتاة يتيمة. دخل الأب على ابنته وجراحه يفور منها الدم متأملا في عيني ابنته المفجوعة حد الجنون غير مستوعبة فداحة ما خلفه الأعداء من مأساة . مسح هذا الأب الموجوع دموع ابنته وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة هامسا في أذنها : ( اصبري يا صغيرتي فبيرق الحياة أعلى من كل بيارق الموت ) غابت شمس ذلك اليوم القمطرير على أطلال القرية ودماء اليافعين وحشرجة صدور الفاقدين، و نواح الثكالى كحال أهل كل البلدان والقرى التي يحكمها النزاع والشتات . و التي كان أهلها متفرقين إلى شيع وأحزاب . يكافحون شظف العيش بالقتال ونهب الأموال وهتك الأعراض. رحل منها بعض من أراد العيش بسلام متناثرين في بقاع شتى من المعمورة لعلهم يجدون ماء الحياة الذي يستسيغونه. بدلا عن مرارة القتل و العوز الذي سئمته صدورهم . طريق النجاة أمامهم معتم لا يعلمون ماذا ترسم الأقدار لهم، منهم من هلك في شتات الطرق الموبوءة بالموت و منهم من وصل لتلفحه لواهب الغربة, و تطوقه مخالب الوحشة . كان من بين المغتربين رجل يدعى الصادق و الذي آثر العودة ، إلى دياره رغم ما ينتظره من قدر مجهول . كل ذلك من أجل تحقيق رسالته التي تخمرت فكرتها في بلاد الغربة ليكتبها في وجدانه السليم بدموع الفراق , و على شموع السهر و الكفاح . عرض رسالته على جماعته الذين تبدلت أحوال بعضهم , فمنهم من استنكرها , و كفر بها , ومنهم من بارك هذه الرسالة ,و استبشر بنجاحها , و كان على رأس هؤلاء المباركين و الداعمين أمير البلدة. أسس الصادق جيش بيرق الحياة والذي انطلق لرأب الصدع و النزاع بين قبائل البلاد لتتكلل مساعيه بالنجاح , بل إن عددا من القبائل انضوت تحت لواء هذا الجيش المبارك . تهللت أسارير الصادق , وسكنه الابتهاج - رغم ما تخفي أضلعه من حزن دفين - لوقفه إراقة الدم بين أبناء القبائل , و نجاحه في المصالحة بينهم . قطع الصادق على نفسه عهدا بالعمل ونشر تلك الرسالة ما دام قلبه لم يسكت عن النبض. بعد انقضاء بضعة أشهر من الدعوة السلمية ذهب الصادق إلى الجزء الشرقي والتقى بأهل الرايات السود المتحكمين بذلك الجزء بقوة السيف، و سُلطة الجبروت مبادرا لمد يد الحوار معهم . لكنهم رفضوا مبدأ السلم , بل توعّدوه بغزو بلدته و إبادتها عن بكرة أبيها ، لكن جماعة منهم انضمت سراً مع الصادق ورحلوا معه إلى بلدته وجهز العتاد وحصَن البلدة بالمدافعين. وبين عشية وضحاها هاجم أهل الرايات السود القرية , وثار دخان الوغى , وكان الصادق على رأس المدافعين شامخا فوق صهوة جواده ، وهو يقاتل كأسدٍ في المعركة ، ففتك هو و رجاله بعدوهم وأوقعوا به هزيمة نكراء , ثم ما لبثوا أن يمموا سيوفهم نحو الجزء الشرقي وحاصروا ما تبقى من أهل الرايات السود. تمت محاصرتهم عام كاملاً حتى خضعوا للسلم، و في هذا العام توفي أمير بلدة الصادق واتفقوا أهل البلدة على أن يكون الصادق هو الأمير الجديد للبلدة وحاكما للقصر . ضم الأمير الصادق الجزء الشرقي لإمارته وأسس إمارة الشرق الجديدة. ذاع صيت الحاكم وانتشرت أعماله كالنار في الهشيم وأصبحت رسالته علانية وزاد نفوذه بين أرجاء البلاد، بعد أن استسلم ما تبقى من أهل الشر والضلال من أهل الرايات السود فكر بأن لا يتوقف حتى يطهر بقية الأراضي المجاورة المحكومة بالنار و الحديد من قبل أهل الرايات الحمر رايات الموت والشحوب . دارت رحى المعارك بين الحاكم وأهل الرايات الحمر لسنوات عديدة وأدرك الصادق أن عليه تكوين قوى لكبح امتداداتهم، و طمس غرورهم , فاتجه للجزء الشمالي أملاً في كسب ولائهم ومساندتهم. وفي منتصف الطريق قام أهل البيارق الحمر بغارة كاسحة على الصادق و رجاله حاملين توابيت الموت في عيونهم المتوحشة لا يردعهم وازع خلق , و لا تثنيهم طهارة قلب. ودارت موقعة شديدة باءت برجوع الصادق وجماعته إلى البلدة ولم يستطع لهم نفوذا. أثناء تلك الفوضى العارمة ما بين الطرفين علم الصادق أن قوى أجنبية خارجية ستغزو الأراضي للسيطرة عليها. انتهز الفرصة وأرسل خطابا لأمير البيارق الحمر يحثه فيها على نبذ الخصومة والعداوة وتوحيد الصفوف والتلاحم والوقوف بوجه عدو هذه الأرض الخارجي الذي يروم إلى السيطرة على الصادق و رجاله وأهل الرايات الحمر كذلك . أقبلت جيوش العدو الخارجي وأعلامهم ترفرف منذرةً بانصرام الوقت . لكنَ الصاعقة الكبرى وقعت باكتشاف الصادق أن هذا الجيش الأجنبي الخارجي يقوده قادة جيش البيارق الحمر أنفسهم . قرعت الحرب أجراسها وبدأ القتال والنزال وصرير السيوف المدوي في ساحة الموت حتى لفظت العروق الدم، اجتاحت حشود العدو الأراضي حتى أمر الصادق بالانسحاب والتمترس في قصر الإمارة. حاصر العدو الخارجي - معضَدا بخونة البيارق الحمر- الإمارة لعدة أيام واشتد الكرب والجزع على الصادق وجيشه حتى أمر في نهاية المطاف بالاستبسال ومواجهة الموت. وقف الصادق أمام بوابة القصر للحظات في موقف بلغت فيه القلوب الحناجر، دفع البوابة بقوة مكبراً بسم الله ... والله أكبر.... وبدأ فجر بيرق الحياة يرسم خيوطه البكر على وجه السماء المظلمة . مضت ساعة الصفر بلف عقاربها، وانقض الحاكم وجيشه عليهم وتداخل الطرفان باشتباك مفصلي دموي . كانت من أشرس المعارك التي سيخلدها التاريخ. قام العدو بالالتفاف حول الحاكم وجيشه ولكنه لازال صامداً متصدياً لهم حتى كتب الله له أن يقابل أمير البيارق الحمر مقابلة ندٍّ لند , ليضربه بسيفه الصمصام ضربةً فتحت باب النصر على مصراعيه , فتزعزع جيشه , وتشتت صفوفه , وبدأ جنده بالتقهقر والتراجع , وقام الحاكم وجيشه بمطاردتهم على شرد الخيل حتى تساقطت بيارقهم , وضاق فجاج الأرض على جبروتهم و طغيانهم , فانتصرت حرية الإنسان , و هُزم القمع و الهوان ، و رفع الصادقُ بيرق الحياة على صعيدٍ طاهر من الأرض التي أوجدها الله لتتشرّب القلوب ثقافة الحياة , وتلفظ ثقافة الموت إلى الأبد . . لتتحقق نبوءة ذلك الشيخ الذي قال لصغيرته وهو يحتضر إن رقاب الشر مهما طالت , فلن تقوى على ملامسة سماء الخير . 0 خدمات المحتوى | تقييم |