كثُرَ في السنوات الأخيرة نوع من الجرائم مخيف تحول إلى ظاهرة قياساً بما سمعناه و بما أشارت له بعض الإحصائيات غير الدقيقة ، ألا و هو "جرائم المختلين عقليا " و التي أصبحنا نسمع بها من حين لآخر ،و تحدثُ بشكل مروع ، و هذا لا يعني أنَّ هذا النوع من الجرائم لم يكن موجوداً في السابق، لكن الأمر الذي أختلف الآن هو ما أحدثته وسائل التواصل الاجتماعي من تقارب بين أبناء المجتمع، و سرعة وصول الخبر مما كشف عن وجود مثل هذا النوع من الجرائم و خطرها على المجتمع ، حيث تعددت جرائمهم و كثرت انتهاكاتهم ،و التي تعد اعتداء وحشيًا على المواطنين و المقيمين على حدٍ سواء.
فُجِعنا جميعا خلال الأيام الماضية بجريمة هزت المجتمع السعودي و أهالي مدينة الطائف بالتحديد، على أثر جريمة قاتل والدية و بطريقة بشعة و مروعة، لم نكن نسمع أو نشاهد مثل هذا النوع من الجرائم سابقا، و بعد التحقيقات ثبت أنَّ القاتل " مختل عقليا " و لم تكن هذه الجريمة الأولى و لن تكون الأخيرة إذا استمر مثل هؤلاء المرضى يجوبون شوارع المملكة بلا مأوى و بلا رقيب .
علما أنه أشارت آخر احصائية لمنظمة الصحة العالمية أن هؤلاء المرضى نفسياً و عقلياً يشكلون أكثر من 20% من سكان العالم، و في مدينة الرياض حسب آخر احصائية ما يقارب العشرة آلاف مريض نفسيا و عقليا يتجولون في شوارعها بلا رقيب و لا عناية.
و هذا ما ينذر بخطر يهدد المجتمع ، و مما لا شك فيه أن حوادث القتل الأخيرة تعد سببًا لفتح مثل هذا الملف من جديد.
و لعل الجميع يتساءل الآن : "ماذا يحدث إذا لم يحصل هؤلاء المرضى على العلاج والرعاية اللازمة و المراكز المناسبة لإيوائهم ؟ "
و هو ما قد يؤدي إلى زيادة معدلات الجريمة و تعاطي المخدرات، و الاعتداءات المختلفة على المواطنين و المقيمين ، و قد يتعدى إلى أخطر من ذلك و هو تحويل هؤلاء المرضى المتروكين إلى مشاريع فكرية منحرفة كاستخدامهم و توجيههم ضد المجتمع في الإرهاب و الترويج.
و هذا ما يؤكد وجود قصور في الدور الذي من المفترض أن تقوم به بعض الأنظمة لتقديم الخدمات لهذه الفئة، و عدم تركها بهذه الطريقة دون احتوائها و معالجتها حتى يستقيم سلوكها في حياتها.
إلا أنه اختلفت الآراء حول من المسؤول عنهم و عن جرائمهم ، فهناك من يحمّل وزارة الصحة جزء من المسؤولية في عدم توفير برامج علاجية متخصصة لهم، و إيجاد مستشفيات تهتم بالأمراض النفسية و العقلية تسد الحاجة للأعداد المتزايدة منهم ، و كذلك بعض قرارات الوزارة التي تسمح للمريض أن يكون حرًا طليقًا تحت شعار "ممارسة المريض النفسي و العقلي لحقوقه كباقي أفراد المجتمع " و هذا ما يخالف الواقع و المنطق.
إلا أن البعض الآخر يلقي اللوم على وزارة العمل و التنمية الاجتماعية ممثلة بالشؤون الاجتماعية في عدم إيجاد جمعيات خيرية تدعم إنشاء مراكز إيواء تناسب هذه الفئة.
و منهم من يلقي بالمسؤولية على الجهات الأمنية التي لم تقبض على مثل هؤلاء و توجيههم إلى الجهات المعنية بحالاتهم.
كل ذلك يعيدنا مرة أخرى إلى التساؤل المطروح : من المسؤول ؟ و من يتحمل وِزْرٓ جرائم هؤلاء المرضى و الأبرياء الذين أُزْهقت أرواحهم و فقدهم أهليهم بدون ذنب ؟
ساير هليل العنزي
عضو المجلس البلدي بمدينة الجبيل .
|