مررت أثناء تجولي بمدينتي الموقرة ، والتي لبست جلباب الحُسن والحياء وقفلت راجعاً صوب سوق النساء (وإن شئت فسمه بسوق المعارض وفي رواية عند أصحاب الأموال سوق الذهب) بمرافقة زوجتي لشراء مستلزمات العيد السعيد عصر يوم أمس الثلاثاء فرأيت كما رأيت سابقاً عجباً ... وقد عشت فعلاً كما يقال رجبا .. رأيت ملامح الصيام قد غطت المكان والزمان وأجواء السكينة والروحانية تلوح في الأفق فاستبشرت خيراً وأبرد قلبي وقرت عيني ...
ولكن أبت عيني إلا أن ترى العجب ... رأيت ملابس العيد جديد في جديد وليس لها من اسمها نصيب فكأنها صامت مع أصحابها وبدأ التناقص التدريجي يسري في جسدها من جراء ذلك ولسان حالها يقول والقادم أكثر وأكثر...
فهذه ثياب فوق الركب وأخرى تحتها بقليل معروضة في وجهات وردهات المحلات بل جرأة وتبجح مع حرارة الأسعار وطمع التجار في الأسواق التي لعبت بها الشياطين وعلت فيها أصوات الأبواق ويا العجب وكأنها دروع تذكرية أو شهادات تقدير أو أوسمة شرف وتميز توضع على رفوف التميز والانجازات ...
وفعلاً هي كذلك ولكن البون شاسع هي دروع تذكرية للشرف البائس والعفة الضائعة والرقابة الأبوية والقوامة النسائية ، وهي شهادات تقدير للعقول الضعيفة والشهوات المتبعة والتغريب المقيت ، وأرى كثيراً من النساء يقتتلن على مثل هذه الملابس ويتفاخرن بها وعلى مرأى من الأولياء المترجلين عن جياد العفة والحياء فهو ذو حلين إما أن يتركها في السوق لوحدها تسرح وتمرح قد أنزلها من سيارته وقد تركت حياءها في سيارة أبيها إذ ليس لها حاجة به فهو يعيق حركتها ، وحله الثاني يأتي معها وكالخروف تقوده وليته كان (مرياعاً ذو أجراس _ إن صح التعبير _ ) لكان أفضل وأستر له يرها تختار ولا يبدي اعتراضاً ولا تتحرك غيرته لابادرة بل لعلها ماتت كما ماتت غيرها من لافضائل والأخلاق فأصبح جوفه بلا جوف وقلبه بلا خوف ، وقد مر بي منذ زمن ليس بالبعيد حديث أخرجه الإمام الترمذي _ رحمه الله تعالى _ في سننه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \" من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقالت أم سلمة فكيف يصنعن النساء بذيولهن قال يرخين شبرا فقالت إذا تنكشف أقدامهن قال فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه \"
رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح .
فهذه أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها اهتمت ألا ينكشف منها شيء مع عفتها وصفاء سريرتها وهي زوجة من زوجة خير البشر والبشرية فلقد كان المجتمع النبوي ومن بعده في ذلك الزمان الأوحد العفة هاجسه الكبير ومن الأمور المسلمة التي لا تنازع فيها بل إن المشركون الأوائل يدسها في التراب بناتهم من أجل العفة وخوفاً من العار ، ونحن في زماننا هذا أصبحت العفة تشتكي من حالها فأصبحت العفيفة المتحجبة ذات عادات تقليدية ورجعية وتخلف ...
بل إن الصحابيات كن يشغلهن ألا تنكشف في حال وفاتها وعند تغسليها كما روى الإمام الذهبي قصة وفاته فاطمة الزهراء في (السير) عن أم جعفر : أن فاطمة قالت لأسماء بنت عميس : إني أستقبح ما يُصنع بالنساء، يُطرح على المرأة الثوب فيصفها. قالت: يا ابنة رسول الله، ألا أريك شيئاً رأيته بالحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة فحنَتْها، ثم طرحت عليها ثوباً، فقالت فاطمة : ما أحسن هذا وأجمله، إذا مت فغسليني أنت وعليّ، ولا يدخلن أحد عليً. ا.هـ
قال الذهبي : قال ابن عبد البر : هي أول من غُطى نعشها في الإسلام على تلك الصفة. ا.هـ
سبحان الله سيد نساء العالمين وابنة النبي الأمين وزوجة الفارس المتين تقول ذلك فكيف بمن دونها
قُسمَ الحياءُ على الأنامِ جميعهمْ *** فذهبتِ أنتِ فقدتَهِ بزمامِهِ
وكيف بها لو رأت نسائنا في هذا الزمان فالله المستعان والواحدة منهن تلبس ما تشاء بلا حسيب ولا رقيب بين ضيق يكاد أن ينفجر وبين قصير صفيق يصف اللون والبشرة وتقول أنا بين النساء وعورة المرأة عند المرأة بين السرة والركبة ... رحمك الله يا أيها الحياء فالحياء تراث قديم في أعين الغافلين والغافلات قد بات في متحف التراث وكل يوم ينقص منه حرف حتى ينقرض بالكلية وإلى الله المشتكى .
وقد سئل فضيلة الشيح محمد بن صالح العثيمين _ رحمه الله تعالى _ السؤال التالي :
ما حكم لبس المرأة الثوب القصير أمام النساء؟ وما هي حدود عورة المرأة عند المرأة؟
فأجاب رحمه الله :
لا يجوز للمرأة أن تلبس ثوباً قصيراً، اللهم إلا إذا كانت في بيتها وليس في بيتها سوى زوجها، وأما مع الناس فلا يحل لها أن تلبس الثوب القصير أو الضيق، أو الشفاف الذي يصف ما وراءه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: \"صنفان من أهل النار لم أرهما\"، وذكر: \"نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها\" [أخرجه مسلم : كتاب اللباس والزينة /باب النساء الكاسيات العاريات]، فإذا كانت المرأة تلبس القصير، أو الضيق، أو الشفاف الذي ترى من ورائه البشرة فهي في الحقيقة كاسية عارية، كاسية من حيث أن عليها كسوة، وعارية من حيث أن الكسوة لم تفدها شيئاً.
وحدود عورة المرأة عند المرأة ما بين السرة والركبة، فالساق والنحر والرقبة ليس بعورة بالنسبة لنظر المرأة للمرأة، ولكن لا يعني ذلك أننا نجوّز للمرأة أن تلبس ثياباً لا تستر إلا ما بين السرة والركبة، ولكن فيما لو أن امرأة خرج ساقها لسبب وأختها تنظر إليها وعليها ثوب سابغ، أو خرج شيء من رقبتها أو من نحرها وأختها تنظر فلا بأس بذلك، فيجب أن نعرف الفرق بين العورة وبين اللباس، اللباس لابد أن يكون سابغاً بالنسبة للمرأة، أما العورة للمرأة مع المرأة فهي ما بين السرة والركبة.
(من مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح العثيمين - المجلد الثاني عشر - باب ستر العورة.)
أولياء بلا ولاية ....
ونساء بلا رعاية ....
وأسواق بلا رقابة ....
دمعة مشفق في زمن متدفق نحو الضياع في شهر فضيل يبكي لحال أمته المتهالكة.
لله درك فقد أصبت بحروفك كبد الحقيقة
تتزاحم أسواقنا بنساء أشبه مايكونن والعياذ بالله عارضات أزياء
أين ذهب المحرم , وأين ذهبت مخافة الله
شي مؤسف ماوصل له حالنا ياأخي
والله يستر من قادم الأيام
واللهم أستر على عوراتنا
اللهم ااااااااااااااااااامين
أخي محمد
جزاك الله خيرا على هذا المقال الرائع فنخن بحاجة إلى هكذا مقالات فيها امر بمعروف ونهي عن منكر وتذكير
وقد تابعت كل مقالاتك تقريبا لم يعجبني في مقالاتك غير هذا المقال فهو رائع بحق استمر على هذا النهج فالناس بحاجة للتذكير