إن العمل البشري يبقى معرضا للنقص والخطأ مهما تم بذل الجهد في اتقانه والعناية به، وهذا الأمر يعتبر قانوناً نافذاً إلى الأبد ومن دون أي استثناءات ،سوى ما علمناه من عصمة الأنبياء والمرسلين الكرام عليهم الصلاة والسلام، وما جاءوا به في مجال الدين والرسالات . ولعلنا هنا نستشهد بالقول المأثور للإمام مالك رحمه وهو \"كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر \" .
ومن بدهي القول إن الأخذ والرد يستوجبان إعمال العقل الراجح ذوالخصائص المميزة التي تؤهله إلى تحديد ما يتم قبوله أو رفضه، وهو ما نسميه وفق الإصطلاح الأدبي بعملية النقد ، والتي يمكن التأصيل لها شرعاً بأنها عمليه التواصي بالحق ،وذلك عن طريق تمييزه بالهدي الديني أو بالعقل الراجح ومن ثم يمكن اشاعته بالمجتمع ليسود وتتم المحافظة عليه . ولا شك بأن النقد هو صنو الإبداع وشقيقه ويمكن تشبيههما بوجهي العملة الواحدة ، فحيثما وجد النقد المتقدم والمميز فثمة هناك إبداع يحضى بنفس الدرجة العالية من التميز أيضا، لأن كليهما يصبان في مصلحة المنتج النهائي للعملية الإبداعية .
وحينما يكون محور العملية الإبداعيه هو خدمة المجتمع بعامته، فإنها حين ذاك تغدو أكثر حاجة لإخضاعها إلى معيار النقد الهادف ،لتصبح أكثر تلبية لحاجة المجتمع إليها، بالإضافة لكسبها إلى العديد من مواطن القوة التي تساعدها في إرضاء الذائقة العامة لأبناء المجتمع .
وبعد أن ندرك أهمية وجود النقد الموازي لأي عمل إبداعي، فإنه يتعين علينا محاولة تطبيقه وفق الآداب والخصائص الرئيسة التي لابد أن يتضمنها، ليصبح أكثر صحة وأمضى دوراً في صلب العملية الإبداعية . ومن أهم هذه الخصائص تاتي الموضوعية في موقع متقدم، مع تحري الصدق، وإحسان الظن ،بالإضافة إلى لطف الاسلوب والعبارة ،ليكون الناقد في موقع يسمح له بأن يتبوأ مهمة الموصي بالحق والمظهر له ،وهو موقع شريف عند الله والناس .
وحين نخرج من العموميات التي أوردناها بهذه المقدمة إلى ذكر ما نود تسليط الضوء عليه من نقد محلي لأداء الجهات العاملة في القطاع العام ببلادنا العزيزة ، فإننا سننطلق مما يتم نشره حولنا في وسائل الإعلام المختلفة ،حيث نجد أن هناك تبايناً واضحاً في المسالك النقدية للأخوة الكتاب وممارسي العمل النقدي لأداء الجهات الحكومية، ويمكننا إختزال هذه المسالك بمسلكين رئيسيين يتميز كل منهما عن الآخر بعناصر مختلفة ، مع اعترافنا الصريح - للموضوعية – بإننا لم نستطع رصد كل ما ورد من مقالات نقدية لأداء القطاع العام،وذلك نتيجة لغزارتها المتوافقة مع غزارة وتعدد أنشطة هذا القطاع على مستوى الوطن، ولكننا بحكم طبيعة العمل قد أمعنا التركيز على الأعمال النقدية الموجهة لأداء القطاع البلدي في المملكة .
يأتي المسلك الأول لأولئك الناقدين لأعمال القطاع البلدي بما يبهرك في مستوى النقد ،ودقة الملاحظات ،وسعة الإطلاع على واقع ما يكتبون عنه وما يقومون بإنتقاده ،وذلك لأنهم بالفعل يكتبون عنه بعمق نافذ، ويقدمون آراء ومقترحات لا تستطيع معها إلا أن تقف معجباً بها ومباركاً لما تهدف إليه، حتى لو كلفك ذلك القيام بالتنازل عن آرائك السابقة، لأن ما يتم تقديمه وايضاحه عبر هذا العمل النقدي يفوق بكثير ما كنت تعتقده من صلاح لرأيك، ويتضح لك معه الحجة الدامغة الدالة على خطأ ما ذهبت إليه في السابق .
وهنا نجد بأن من انتهج هذا المسار وطبق خصائصه وآدابه فإنه قد انتهج مسار النقد الهادف والإيجابي الذي يلزمك بأخذه على محمل الجد وتطبيق الأفكار المستفادة منه لأن الحق أولى بأن يتبع .
أما المسلك الثاني لما يطرح من أعمال نقدية على أيدي بعض الكتاب والمبرزين في المجال الإعلامي فإنه يفتقر إلى بعض أو كل خصائص النقد الإيجابي الهادف ،وقد وجدنا من خلال تتبعنا لغالب ما يكتب في الصحافة بأن الإثارة وحب الظهور واستجداء عواطف العامة من أبرز خصائصه الظاهرة ،مع غياب الموضوعية وانعدام شبه تام لسعة الإطلاع في المجال الذي يتم نقده .
كما أن بعض الكتاب - سامحهم الله – قد أصبحوا بما يشبه كتاب (المعاريض )أو ناقلي حديث المجالس دون تمحيص ،ويضمنون ذلك في معرض نقدهم لأداء القطاع العام، بحيث تجده يخوص بما لا علم له فيه، ولا معرفة له دقيقة بأحوال وشئون الجهة المنتقدة ،بل إنه أحياناً لو تأنى قليلاً لوجد خطأ ما ذهب إليه من تلقاء نفسه، ونخشى بأن يكون قد آثر ( الكم ) فيما يقوله ويكتبه على حساب (الكيف) ،ولم يدر بخلده بأنه قد يأثم شرعاً فيما سطرت يداه ،إضافة إلى الإساءة المباشرة لنفسه عندما يدرك الجميع هذا الخطأ المرتكب ،وتلك المعلومات الناقصة ،إن لم يتعدى الأمر إلى مقاضاته قانونياً وفق النظام الذي كفل له حرية التعبير وكفل لأي شخص أو جهة إعتبارية عملية رد الإساءة ومحاكمة من أصدرها .
وختاماً فإننا للموضوعية لا نستطيع اعطاء نسبة مئوية دقيقة لأي من المسارين المذكورين،وذلك لكوننا لم نقم بعمل احصائي دقيق يمكننا من وضع هذه النسبة ،ولكننا بكل تأكيد نتمنى تغليب نسبة الأعمال الصادرة وفق المسار الأول مع رجاءنا بأن يحقق الله سبحانه وتعالى امنياتنا .
م/ عايد بن عياش العنزي
رئيس بلدية العويقيلة
|