المتنمرون
قال تعالى { وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحية إلا أمم أمثالكم } وقد ذكر ابن القيم في مدارج السالكين : ان ما من حيوان إلا وله شبه في بني الانسان فقال رحمه الله تعالى :
من الناس من طبعه طبع خنزير يمر بالطيبات فلا يلوى عليها فإذا قام الإنسان عن رجيعه قمه وهكذا كثير من الناس يسمع منك ويرى من المحاسن أضعاف أضعاف المساوىء فلا يحفظها ولا ينقلها ولا تناسبه فإذا رأى سقطة أو كلمة عوراء وجد بغيته وما يناسبها فجعلها فاكهته ونقله , ومنهم من هو على طبيعة الطاوس ليس له إلا التطوس والتزين بالريش وليس وراء ذلك من شيء ،ومنهم من هو على طبيعة الجمل أحقد الحيوان وأغلظه كبدا
ومنهم من هو على طبيعة الدب أبكم خبيث . ا.هـ .
أيها الأحباب التنمر موجود منذ عصر التأريخ وله من اسمه نصيب
فهو مأخوذ من النمر كما قال المتنبي :
شديد الخنزوانة لا يبالي ... أصاب إذا تنمر أم أصيبا
وشرح البيت أن : الخنزوانة في الأصل ذبابة تطير في أنف البعير فيشمخ لها بأنفه واستعيرت للكبر فقيل بفلان خنزوانة ومعنى تنمر صار كالنمر في الغضب والمعنى إذا غضب على أعدائه وقاتلهم لم يبال أقتلهم أم قتلوه.
والتنمر : بالمعنى الحديث الاستقواء هو استخدام العنف اللفظي أو الجسدي ضد الغير، والتعدي على حقوقهم ولست أتكلم عن العنف الجسدي فهذا ليس مجاله ولكني سوف أتحدث بإذن الله تعالى عن العنف اللفظي يعني (الغطرسة).
فالطبقية الموجودة في بعض إدارتنا الحكومية تصنع هذا العُضال ... فصغار الموظفين دائماً يشكون من اضطهاد مرؤوسيهم والنظر إليهم بفوقية بغضيه فقد حدثني بعضهم أن مديره في العمل يقول له بلغات الإشارة المختلفة:
أنت ، هذا ، هيه ، ومن أنت حتى تقول كذا وكذا ، وأنت تشبه الموظف الفلاني المراسل أو الفرّاش أو (.... ) ومهما علوت في الدرجات والمراتب فأنت فلان ابن فلان ولن تعدو قدرك وغيرها من الكلمات الجارحة من هذا المتنمر فضلاً عن النظرات الساخرة والحركات .
ولقد حدثني أحدهم أنه جاء لمديره صاحب الأنجم اللامعة والخيول الجامحة من التهكمات الزائفة .
فقال له : يا طويل العمر أبوي مريض وأبي أوديه للأردن أبغى اجازة لعلاجه .
فرد باستعلاء وفوقيه : أنت تكذب .
فما كان من هذا الأخ إلا أن ركبه الغضب وقاد زمامه فقام مشكوراً مأجورا بضرب مديره بعد أن أقفل المكتب حتى سمع القاصي والداني صراخ هذا المدير المحترم وجعل الأنجم بعد أن كانت على كتفه تلمع متناثرة على الأرض بكل إذلال وخر برجه العاجي على رأسه الموقر .
فالسؤال لماذا ذللت نفسك أيها المحترم وأنت غنيٌ عن ذلك ؟
بل السؤال لما كل هذا قد جعلك الله في هذا المكان وجعلتك الدولة مشكورة لتخدم الخلق وليس لتجعلهم خُداماً عندك ؟
وهذا جزاء سنمار ...!(1)
وهذا أيها الكرام خاصة يحدث في كل الدوائر وللأسف بل لعل الإدارة التي يمسك زمام أمورها رئيسان يكون التنمر واضح المعالم وإن زخرفوا القول بالعدل وعدم التفريق بين الموظفين ، وكل حزب بما لديهم فرحون والغالب على بعضهم من حديثي التخرج من الكليات الشريعة أو العسكرية فيرون أن لهم فضلاً على غيرهم أو أنهم طبقة مخملية تأنف من زملاءهم وأصبح ينظر لمن تحته في الرتبة أوالمرتبة على أنهم مجرد بشر رعاع ليس لهم حظ في الدنيا إلا خدمة سعادتكم الموقر وذاك المتنمر المسكين شابه الطاووس وما ذاك إلا لأن يرى كبيره يفعل ذلك ، ويرى من قبله يفعله وإن دل ذلك فإن يدل على دناءة النفس و خساستها وضعف الشخصية لما لم تكن كالنخلة بل كن أصغر منها وشابه النحلة بل لعله كان كالذباب لا يقع إلا على الجروح ويريد أن يُفتح له الممرات والأبواب.
وقد ذكرت بذلك قول الشاعر :
مشى الطاووس يوما باختيال **** فقلد شكل مشيته بنوه
فقال علام تختالون قالوا **** سبقت به ونحن مقلدوه
فخالف مشيك المعوج **** واعدل فانا ان عدلت معدلوه
أما تدري أبانا كل فرع **** يجاري بالخطى من أدبوه
وينشأ ناشئ الفتيان فينا **** على ما كان عوده أبوه
فبماذا يفخر ويفرح المتنمر بعد هذا؟!
سل نفسك يا سعادة المتنمر وأجب ..؟
محمد كياد المجلاد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) اسم رجل، وهو إسكاف كان النعمان الأكبر، لمّا أراد أن يبني الخورنق لسابور، ليكون ولده فيها معه، اتخذ هذا الإسكاف، فبناه له وأحسن رصفه، وأبدع وصفها، وأكملها في عشرين حولا. فلما أتم بنائها، وأعجب الناس بحسنها، قال الأسكاف: إني لو شئت جعلت القصر يدور مع الشمس حيثما دارت. فقال الملك: انك لتحسن أنَّ تبني أجمل منه؟ فطرحه من أعلاه. فضرب به المثل لمن يجزي الإحسان بالإساءة .
|