ليسوا من كوكب آخر ..!
اتذكر لقاء تلفزيوني مع الدكتور محمد العريفي (شفاه الله) كان يتحدث فيه عن حياته وبعض المواقف التي يتعرض لها ومن ضمن هذه المواقف انه تلقى رسالة من احد المتابعات له وتطلب منه ان يدعوا الله بأن يوفقها للإرتباط بزوج مثله متفهم ورجل دين وخالي من العيوب والاخطاء ويقدر الحياة الزوجية (كل تلك الصفات بنظرها طبعاً ) ، وكان رد الشيخ مقنع وواقعي حيث وضحّ لها بأنه ليس شرطاً أن يكون هو او غيره من الذين يظهرون للعامة عبر وسائل الاعلام المختلفة بأن ما يقولونه او يدعون اليه من ايجابيات متوفرة فيهم أو في حياتهم العامة بل ربما يكونوا ممتلئين بالسلبيات وكثيري الأخطاء ولكنها رسالة وأمانة يجب ان يوصلوها للمتلقي بحكم موقعهم ووضعهم .
وما سبق لا أجده تناقض في تصرفات او طبيعة الشيخ العريفي ولكنه الواقع الذي يرفض الكثيرون تقبله !
فنحن كأفراد وجماعات نعاني من مشكلة (عويصة) تؤثر كثيراً في تعاملنا مع الآخر وخاصة الآخر الذي يريد ان يوصل الينا شيء من معلومة او فكرة أو دعوة !
فعندما يكتب الكاتب أو يتحدث المتحدث عن حالة اجتماعية عامة أو موقف عابر سواءً له او لغيره تجد أن أغلب المتلقين او المتابعين ينظر لهذا الحديث انه يعبّر عن حالة يمرّ فيها هذا الكاتب او المتحدث او يمر فيها احد المقربين منه كالعائلة مثلاً ، دون ان يكلفوا انفسهم بمحاولة الاستفادة من ايجابيات الحديث او تلافي السلبيات التي ذكرها على الأقل دون الخوض والغوص في تأويلات وتفسيرات ما أنزل بها من سلطان !
وعندما يغير الكاتب او المتحدث كلامه الى التركيز على الإيجابيات فقط والظهور بالجانب المشرق ، يظهر للمتلقي ان الشخص الذي أمامه من المعصومين من الخطأ مما يولد لدى المجتمع النظرة الملائكية لهؤلاء المتحدثين ويؤسس لهم في داخل النفس البشرية ابراج عاجية حتى ان البعض من الجماهير تتولد داخله نظرة دونية تجاه القريبين منه وكل من حوله بناءً على ما يتلقاه عقله اللاواعي من رسائل ايجابية ورائعة وبيضاء من قبل المتحدث او الكاتب فتجده يقارن المقربين منه بهذا الكاتب او ذاك الداعية وتحدث فجوة عميقة بينه وبين زوجه او اخيه او حتى ابيه !
ومن جهة اخرى ستكون الصدمة كبيرة ومؤثرة جداً عندما يشاهد هؤلاء المتحدثين او المشاهير المعجب بهم في الحياة اليومية بعيداً عن اضاءات الاعلام واوراق الصحف وقد تصرف على سجيته وبطبيعته البشرية بكل ماتحمله من أخطاء او عيوب فتتحول نظرة الإعجاب والإتباع الى نظرة معاكسة وربما تصل الى صدمة نفسية دائمه فيها تشكيك في المتحدث ومن شابهه وفي كل مايتحدثون به او يدعون اليه !
لكل ذلك اجد اننا قوماً في تصرفاتنا مبالغة عظيمة وغلو في الايجاب وفي السلب أيضاً والواجب علينا أن نحاول ان نطوّع عقولنا وأنفسنا على الرؤية الواقعية لكل الأحداث والأحاديث من حولنا وننظر لها بأنها مواقف وتصرفات وأمنيات بشرية تحدث لكل انسان ولايوجد شخص كامل وخالي من العيوب أو مخلوق في كوكب آخر لا يعرف سوى الصواب !
بهذا اعتقد اننا حينها سنستفيد بطريقة صحيحة من كل ما يصل الينا ونخرج حينها بإذن الله من دوامة الغلو في تقبل الآراء أو رفضها ونخرج ايضاً من دهاليز الاعجاب المبالغ فيه او الشك وظن السوء الذي بدأ يسري في عقول الكثيرين وانفسهم بسبب فهمهم الخاطيء !
خالد المحيني
|