أصعب زمان
قراءة أدبية لقصيدة أصعب زمان للشاعر زياد بن نحيت
اصعب زمان يعيش فيه انسان هو هذا الزمـان=رغم جدي قال بأنه عاش فـي اصعـب زمـن
عز الله انّا لو تراهنـا يبـا يخسـر الرهـان=الله يغفرله . . ويرحم كل مـن لبـس الكفـن
زمان جدي كان ياماكان فـي مـاض الزمـان=انسان عايش بالحيـاه ومزهبـه تمـر ولبـن
زمان يوم ان المعارك حاميـه للسيـف شـان=يوم الرمك تلحق مع الفرّيـس وتـرد الهجـن
اللي معه ناقه وله عنزين والا خمـس ضـان=يثني على الله لاحلب عنزه وغمـس بالسمـن
زمان يوم ان الردي يهـزب ومقـداره يهـان =ويقدّر الرجّال بالمجلـس . . وينهـان العفـن
زمان يوم النـاس تفـرح بالصـلاه وبـالاذان=يوم النفوس من التسامح كل ماضاقـن عفـن
زمان يـوم ان الولـد ياذيـب والا ياحصـان=يوم الولد و اخوه مثل : العين في وسط الجفن
يوم الولد لاشاف شي يجنـن يصيبـه جنـان=يوم البنات من الستر ومن الغطـى مايعرفـن
يوم الخوات (فراشهن واحد ولو كانن ثمـان)=يتلحفن منهن ثـلاث . . وخمـس مايتلحفـن
البرد يذبحهن وبين عيونهن : ريـح الجنـان=والجوع طاويهن وهن لرضـا امهـن يتلهفـن
عاشن على صعب الحياه وهمهن عرضن يصان=هن عزوه لرؤس الحمايل لانهـن ماقـد هفـن
بناتهم مايفلتـن لـو كـان مفلـوت العنـان=ستر الوجيه ابدى من رجول من الرمضه حفن
يبقى لنا ذكر الوفاوالطيب مـن طبعـه يبـان=مثل ( امهات المؤمين ) اللي علينـا ماخفـن
واليوم انا مانيب قايل غير ياصعـب الزمـان=الغرفه الظلماء لان انوارهـا البيضـاء طفـن
شدتني تلك الأبيات ليس لأنها جميلة فحسب ، وليس لأنها تحاكي الواقع بل لعلها الواقع نفسه صورها الشاعر بقالب حوار بينه وبين جده رحمه الله يصف فيه الزمن الماضي والزمن الحاضر ، لقد كان زمان أجدادنا بالرغم من صعوبة كان زماناً حافلاً بالصدق والعفة والمحبة والعفو والقناعة والتسامح صحيح أن هناك شواذ في المجتمع كما في مجتمعاتنا الحالية ولكن السواد الأعظم كما يقال صلاح الحال وصدق الحديث والموت من أجل الشرف والمرجلة ومكارم الأخلاق ، أما زماننا هذا ليس فيه معارك حامية بالسيف ، وليس هناك مجال للرمك ولا الفريس ولا الهجن ، زمان تطور التقنية وتخلف الناس ليس تخلفاً في العقل ولكن في استخدام العقل حينما كان جدي وجدك أيها القارىء الكريم له ناقة أو عنزين أو خمس ضأن كانت القناعة تحدوه عندما يغمس بالسمن صحيح أن هذا السمن ليست كزبدة لوربك ولا المراعي أو أيّ منتج شئت ولكن كانت لها لذة لا يعدلها لذة حتى المؤكولات عندنا في زماننا القريب على شحها وقلة أصنافها كانت لها طعم خاص يسحر الألباب ولكن هذا الزمان كلما تنوعت الأطعمة كلما تبطر الناس واستغنوا عن خالقهم فكيف بالخلق تجد التكبر وشموخ الأنف عند الكثيرين ولعله من شدة تكبره حط الذباب على أنفه وكأنه مطار دولي لقلة العقل ودناءة الأخلاق وضعف الشكيمة وكما قال المتنبي :
أُحِبُّ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ جَهْدِي = وَأَكْرَهُ أَنْ أَعِيبَ وَأَنْ أُعَابَا
وهذا الذي قاله الشاعر لهو الصحيح كالماء الزلال فنجد في الأوقات المتأخرة لا يقدر الردي ولا يرحب به بل الرجل الذكر هو الذي له شأن والخلق كلها تقدره ليس لذاته ولكن لرجولته ودماثة أخلاقه وفي زماننا هذا يقدر الرجال ولو كان من أخس الخلق من أجل ماله أو منصبه الذي لن يعطي محترميه منه شيئاً بل لعله إن نال منه الإكرام والاحتفاء أنالهم منه التبجح والجفاء والإقصاء .
يوم الناس تفرح بالصلاة وبالأذان
وناس زماننا تهرب من الصلاة والأذان بل لعل المحرايب تشكو من قلة السالكين إلا ثلة من الشيبان من ذاك الزمان نفوسهم سماوية وقلوبهم علوية أما قلوبنا فأرضية ارتبطت بالأرض فنالت من شدة جبالها حب الدنيا والحرص عليها والتنافس فيها بل حتى التقاتل عليها وسفك الدماء من أجل لعاعة من الدنيا .
في ذاك الزمان كان الولد من عروبة نسبه وسلالته الطيبة الطاهرة إما ذيب وإلا حصان وكلاهما شرف للفتى أن ينالهما أما أولاد زماننا إما خركي متمايع ميّال للرجال وإما صايع ضايع في كل واد يهيم على وجه لا تردعه مروءة ولا دين يرفع أصوات الغناء في أرجاء الفناء لم يراعي حق الخلق فضلاً عن خالقهم
وكما قال أحد شعراءنا :
طير السعد يعجبك يا طالع الصيد *** وأبو حقب يا هد صاد الزهيده
صحيح إن هذا الزمان هو أصعب زمان .
يوم الولد وأخوه مثل العين في وسط الجفن
وزماننا هذا الولد وأخوه مثل العلامة في وسط العفنْ يتحاربون ويتناحرون ويتبغاضون من أجل إما دنيا دنية فانية وإما من أجل حظوظ النفس من هيمنة المال والبنين والزوجات عليهم فلقد حدثني بعضهم أن هناك من الإخوان والأخوات من لا يكلم بعضهم بعضاً وهم في منزل واحد لسنين طوال قد ملأ الحقد قلوبهم واستقر وملأت البغضاء نفوسهم وكادت تستعر فرحم الله ذاك الزمان .
يوم الخوات فراشهن واحد ولو كان ثمان ، يتلحفن منهن ثـلاث . . وخمـس مايتلحفـن
إيثار متناهي الحدود في أنا في هذا الزمان نجد أن لكل واحد منهن غرفة متسقلة فيها كل أنواع مقوامات الحياة التي بلا طعم تقاطع وتدابر إما من أجل صراعات صبيانية بين أولادهن أو من أجل أزواجهن أو من أجل أمور لو أوجدنا لها معادلة لوجدناها صفر على الشمال فإنهن ناقصة عقل ودين وفوق ذلك ناقصة رحم ولين .
البرد يذبحن من أجل خواتهن الخمس وريح العطف والحنان بين جفونهن همهن بالدنيا رضا أمهن يتلهفن
وفي زماننا هذا تجد الأخت دافئة المشاعر وأختها بجنبها عارية من الدفء العاطفي بل لعل المشاكل تدور رحاها فأختك لا تريد منك إلا العطف وأنتي تهدينها بدلاً منه أصعب كف.
وفوق ذلك كله تجد الواحدة منهن في هذا الزمان ترفع صوتها ويتعالى بين جدران الحواري مرداداً نشازها على أمها الحبيبة وكأنها أصغر أولادها زمان أصعب زمان .
هم الواحدة في ذاك الزمان العرض والشرف فكنْ عزوة للحمايل والعوايل لأنهن ما قد هفن ،
وفي زماننا تتبجح الواحدة منهن بمغامراتها العاطفية وصورها مع فلان وعلان فتحت بضاعتها المزجاة ...بل والله بشاعتها المنتهاة لعرض نفسها بثمن بخس نظرات معدودة وكانت فيه من الزاهدات النادمات .
أما الآن الحمايل والعوايل يريدون التخلص من بعضهن لكثرتهن ، ولكن عزاء الواحد منا وجود بعض عزوة الحمايل والقبايل ولو كُنْ من النوادر ولكن في البقية بركة إن شاء الله ولعل أن يأتي مجدداً للأخلاق فيجدد أخلاق الأمة بإذن الله تعالى.
بناتهم مايفلتـن لـو كـان مفلـوت العنـان ستر الوجيه ابدى من رجول من الرمضه حفن
وفي زماننا مربوط العنان والمراقبات مع ذلك تجدهن يفلتن كان الزمان البنت شرفها أغلى ما تملك واليوم أرخص ما تملك وتعطيه لأيّ شخص بكلمة معسولة هي تعلم أنه كاذب ماكر من قصص رأتها ولكن تحب خضوع التجربة ولو كانت فاشلة فأين العقول يا أصحاب العقول .
ما أقول إلا كما قال الشاعر :
واليوم انا مانيب قايل غير ياصعـب الزمـان *** الغرفه الظلماء لان انوارهـا البيضـاء طفـن
فقد خسر الجد الراحل الراهن مع ابنه المشكلة ليست في الزمان ولكنها بمن سكن الزمان .
محبكم في الله
محمد كياد المجلاد
|