تودعني بابتسامتها المعروفة ... على محيا جبل براءتها العاجي فأخذت قلم طفولتها وأخذت ترسم قُبلة التوديع على قمة رأسي المتدلي كالشيخ الكبير ينتظر إجلالاً من طلابه النادرين المخلصين ونطقتْ بكل صدق من قلب مخلص لا يعرف الرياء ولا التملق ولا التبهرج فشمتْ حنين عطري الفواح على صدري الحنون وقالت بكل حنان .. كيف لا تكون بكل حنان ؟ ..
وقد اشتق الحنان من اسمها الشريف ... بل كأنّ الحنان بداخلها وله منبع واحد يصب من قلبها الصغير ويعود إليها فهي ابنتي العزيزة حنين ... !
وقالت محدثتي بلُكنتها المتكسرة تفكر في إملاء طلباتها عليّ وهي تعرف أنْ طلباتها لا يمكن أن تُردْ
فأخذتْ نفساً عميقاً للتفكير ... وقالت : جب لي ...... وجب .... وجب ..... الخ وبعد أن أملت بجميع طلباتها .
التفتت ذات اليمين في عقلها الأيمن العاطفي .... وذات الشمال بعقلها الأيسر التفكيري ....عندها ..!
انتهت أمانيها التي ترى في قرارة نفسها كأنّها الجبال الراسية بطالبتها الثلاث المجابة ... وتحسب أنّها أثقلت كاهلي بالأموال الطائلة من الذهب والفضة ... فإن براءة الطفولة تحتم عليها كمبدأ عندها وهو ( ... عدم الإثقال على الغير ...) وليست كمن لا يملأ فيه إلا التراب ، ولو كان التراب كفيه لما ملأ فيه ... ولو كان التراب ينفد لما ملأ بطنه الكبيرة ... طلبات بُنيتي تلك التي قد عرفتها مسبقاً دون سابق إنذار صغيرة جدا ، ولو كان للدقة المتناهية تعبير لعُبرت به .
عندها ...! وقفت مع نفسي متأملا ... فتذكرت حديثاً طويلاً مرت في مخليتي قد قرأته منذ برهة من الزمن وأخرجه شيخ الشيوخ الإمام مسلم النيسابوري _ رحمه الله تعالى _ في صحيحه برواية الجليل الصحابي أبي سعيد الخدري _ رضي الله تعالى عنه وأرضاه _ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ... وفيه ... فيقول الله له تمنْ فيتمنى ويُذكره الله عز وجل سل من كذا وكذا حتى إذا انقطعت به الأماني قال الله هو لك وعشرة أمثاله ثم يدخله الله الجنة فيدخل عليه زوجتاه من الحور العين فيقولان : الحمد لله الذي أحياك لنا وأحيانا لك فيقول ما أعطي أحد مثل ما أُعطيت ...الحديث )) .
فقلت في نفسي بعد هذا الحديث الرباني الوجداني العميق الذي لا ينطق قائله الثاني (الرسول)عن الهوى ولا يضل قائله الأول (الله) ولا ينسى ...؟ .
سبحان الله .... يا ليت لنا مثل ما أُتيت حنين وإخوانها الأطفال من قلب صافٍ وبراءة صادقة تلمع كشعاع الشمس ولمعان الإبريز المُذهبْ فلقد أُوتوا فوق ذلك كله طيب معشر ... وتأملتْ كثيراً من الأطفال حولي وإذا هم على شاكلتها فقلت لنفسي مخاطباً ... سبحان الله لقد أعطاهم الله قلباً صافياً لا يحمل غِلا ... ولا يكترث بالغم والهم ... بل إن الواحد منهم لا ينتهي اليوم إلا ويرجع إليك وينسى ما كان منك بل ويحتضنك ويقبل جبين وجهك الكالح الذي أْسودَ عليه منذ هنيهه ... فهم بذاك يحملون قلوب أهل الجنة التي نزعت منها الأضغان والأحقاد واستل من صدروهم الغل فهم أطفالاً بقلوبهم متصافحين ... فهم صغار على وجه البسيطة ولكنهم كبار في قلوبهم وبراءتهم ... فتمنيتُ أن الله يعطيني قلباً كقلوبهم وعقلاً كعقول العقلاء أُميز الخبيث من الطيب ولو أعجبني كثرة الخبيث .... أغمضت جفني على حسرة منّي ودلفت حنين قلبي بباب حبي ، وأوصدت باب منزلي على فكرتي ومخيلتي على بريق عينياها الجميلتين حنين ذات القلب المملوء بالحنين والأنين على مر الدهور والسنين ... فانحدرت كالسيل حطه التحدي من عليّ باتجاه مسجدي .
أرجع معكم أحبابي إلى ذلكم الحديث العظيم آنف الذكر فأقول وبالله التوفيق ... يقول الله تعالى حكاية عن ذلكم الرجل الذي انقطعت به الأماني والمنون مع إن الإنسان يموت في هذه الدنيا ولم يحقق بعض أمانيه ... ، ومع ذلك يسعى ويقاتل ويصارع ويظلم ويغشم ويغش ويسرق ويأكل الحرام بطعم الحلال ، وكل ذلك ولم يحقق أمانيه ، وحكاية هذا الرجل صاحبنا صاحب الأماني في هذا الحديث العظيم طلب طلبات كُثر والطلب عند الله مجاب بل إنه لا حد لإجابته له سبحانه وتعالى ...
فالسموات والأرض وما بينهما على جلالة قدرهما وعِظم خلقهما بيده سبحانه وخزائنهما عنده ومفاتيحهما بيديه جل وعلا وتقدس وتنزه وتشرف وتبارك وتعالى يقول لأخر رجل يخرج من النار ... وهو نفسه أخر رجل يدخل الجنة يعاتبه ويدنيه ويصارحه ويحدثه ليس بينه وبينه ترجمان ومع يطلب ذلك يطلب منه التمني ، وقد كان هذا العبد كثير التجني .... ربط نفسه بحبل التمني فساقه القدر إلى قاع القِدرْ في جهنم فهذبت أخلاقه ... وشنف لظى النار أسماعه ... وقرقع زيفر النار لسانه وخالف بين أضلاعه ... بكى بكاء الثكلى وزيادة ... ولو كان البكاء يطفئ نار الغضب والندم في صدره لكان فعل ... ولكن النار نارين نار ندم في الصدر ونار تحت القدر في السطوة والقهر ... فهذه يا أحبابي رحمة الله الواسعة فلقد وسعت كل شيء وسعت البَر والفاجر ... والمؤمن والكافر... والفقير الصابر ... والغني الشاكر ... رحمة واحدة فقط أنزلها الله للأرض كيما يتراحم بها الناس والمخلوقات صغيرهم وكبيرهم عظيمهم وحقيرهم وهي واحدة ولقد كانت والله لكافية فكيف بنا أيها الأخوة لو أنزل الرحمات الباقيات أقصد التسعة التسعين ....
قطعت هذه الرحلة الشاقة على ضفاف ذلكم القلب الصغير وإن كان عند بعض الناس لحقير ... ذلكم القلب الذي لن ولا ولم بكل حروف النهي والنفي والجزم لم يجعل مكاناً لأمراض القلوب في صدره ومستودعه وسره ... هؤلاء الأطفال الصغار ضربوا مثالاً رائعاً في الإخلاص في المشاعر والعواطف الجياشة همتهم صغيرة عالية لا تتعدى رؤوس أنوفهم الصغيرة ، ولكن رأيت فيهم ما لم يستطع الأشاوس من الرجال أصحاب الشوارب المفتولة أن يدركوا ركبهم فضلاً عن أن يكونوا أمثالهم ... رحلتي يا أحبابي توقفت وها هي قطرات القلم بدأت بالنزيف إيذاناً بالنضوب واستعداداً للذبول ... جرحٌ نزف من قلم ذو سن صغير وترف ... أدمت جراحه بُنيتي حنين وهي لا تدري ، ولم أزل أتذكره في كل حين لأن المشهد يتكرر كل يوم خمس مرات في اليوم والليلة حينما أستعد للذهاب للصلاة وهي تستعد لإملاء طلباتها المعروفة مسبقاً فأقول قولاً أخيرا في قرارة نفسي ... سبحان الله يا ليت لنا مثل أُوتيت حنين .
يعطيك الله الصحه والعافية يأبو أسامة ويحفظ لك أولادك
والله كلمات مؤثرة ورائعة ...
بارك الله فيك يأمامنا .. وعلى فكرة الف مبارك التخرج
وبالتوفيق .
محبك.
ردود على عبدالله الضبيان
[محمد المجلاد]02-10-2011 09:44 PM
الله يعطيك العافية أبو ريم وبارك الله فيك وإنا والله لمشتاقون لك كثيراً فهلا وعدتنا بزيارة أخي عبدالله .
لله درك يا أبا أسامة
ما أعذبك
وما اعذب حرفك
وما انقاه وما اصفاه
نقاء حرفك لم يكن إلا نتاج لبياض قلبك الصافي الوافي
حضرت من سفر فوقعت عيناي من اول قدوم
على رحلة الطفلة حنين
حنين ياحنين
ما أقسى الحنين !!
رحلة حنين رحلنا معها الى حيث الزمن الجميل
إلى حيث الطفولة ومراتع الصبا
إلى حيث رفاق الأمس البريء
الى حيث ربيع العمر وزهرة الأيام
يامحمد
بلغ حنين كل اشواقي وقل لها :
رديتي يا حنين خالك الى زمان اول
الى ايام ما كنا صغار واحلامنا اصغر
الى حيث بيوت الطين
الى عيال حارتنا
الى الدور والبسطه
الى ايام كنا صغار وقلوبنا بيضاء
ردتني حنين الى زمان اول
يوم الزعل مايوم بقلوبنا طول
مودتي
ردود على من خوال حنين
[محمد المجلاد]02-13-2011 06:39 AM
والله إن حنين لتفتخر وتتشرف بأخوال أمثالكم ويكفيها فخراً هذا .