على سلم الشفافية الدولية
لعل الإقرار بوجود الداء وإدراك مدى خطورته أولى الخطوات وأهمها في رحلة علاجه والشفاء منه، ومن هنا تتضح أهمية الأمر الملكي بإنشاء هيئة وطنية ذات صلاحيات واسعة لمكافحة الفساد، لا يستثنى من عين رقابتها أحد، ولا تتوقف تقاريرها دون يدي خادم الحرمين الشريفين، يأتي بعد ذلك دور المواطنين من مختلف الفئات ومن شتى مواقع المسؤولية. علينا أن نميط عن أعيننا الغشاوة، وأن نتنبه لهذا الداء الذي راح يتغلغل في ثنايا مجتمعنا، وينخر في أسسه بشكل متسارع في السنوات الأخيرة. آن لنا أن نتوقف عن المبالغة في ادعاء المثالية، وأن ننظر إلى أنفسنا وإلى ما حولنا بتجرد وواقعية، فلا جدوى من تجاهل الحقائق، ولا نفع من غض النظر عن الممارسات الخاطئة التي انتشرت في ظل تغافل المجتمع وتغابيه عن عواقبها. آن لنا أن نقيم أنفسنا على أننا مجتمع طبيعي له أخطاؤه ومثالبه كسائر المجتمعات، وأن غلبة الخير والصلاح لا تعني ألا شر في ثناياه وزواياه، فالنقص طبيعة بشرية، وما لم تقم الهيئات الحكومية الفاعلة ودواوين المراقبة المدعمة بالكفاءات والخبرات وبالتقنية الحديثة بتتبع منابت الفساد ومعالجة أسبابه، فلن يفيدنا مجرد الادعاء. ثمة واجب اجتماعي هام لمؤازرة هذا المسعى الملكي المبارك، يتمثل في نفض اليد من الممارسات الخاطئة، وتوجيه أنظار الدولة ومنظمات رقابتها إلى مواطن الخلل وفضحها لوسائل الرقابة والإعلام؛ ليتعرى الفاسدون والمرتشون أمام الأنظار وليصبحوا عبرة لسواهم، فالمبلغ عن الفساد والتجاوزات صاحب الضمير الحي هو إحدى أهم أدوات الرقابة والإصلاح في أنظمة الأعمال والإدارة الحديثة. ما جدوى أن نخشع في المساجد، وترتعد فرائصنا من هول الوعيد الوارد في إضاعة الأمانات وفي غلول المال العام، ثم يتفنن بعضنا في سلب الأموال، ويتمادى في التفريط بواجبات عمله لمصلحة المحسوبيات والمنافع الخاصة، ويتغاضى الآخرون في سلبية ليست من الدين ولا من الخلق القويم في شيء. هلل البعض كثيرا لتقدم المملكة من المرتبة الثالثة والستين إلى المرتبة الخمسين على سلم الشفافية الدولية في التقرير السنوي الذي تصدره المنظمة الدولية في أكتوبر من كل عام، كأنما قد أدركنا مبتغانا، وتناسوا أننا أمة الفضيلة وحاملو لواء الرسالة المحمدية ودعاة الأخلاق الحميدة، فكيف نرضى أن يسبقنا الآخرون إلى فضائل الأمانة والنزاهة، أو أن تكون أيديهم أطهر من أيدينا.
سعيد شهاب
* نقلا عن عكاظ
|