بلاغ
\" وهـّمونا بالشعارات البرَّاقة \"
عندما تذهب للتسوّق في أحد المتاجر فقد تجد الكثير من المخالفات التجارية ومغالاة الأسعار التي لم تعد أمراً مستغرباً في أسواقنا ؛ وقد يخطر في بالك رقم الإبلاغ عن هذه المخالفات (8001241616) الذي وضعته وزارة التجارة وأعلنت عنه في كل مكان و حثت على الإتصال به في حال وجود أي مخالفة , وقد تُحس أنه من واجبك كمواطن أن تقوم بالإبلاغ عن هذه المخالفات للمساهمة في مكافحة الفساد التجاري والحد من سلوكيات الجشع والإستغلال التي يمارسها بعض التجّار ؛ فهذا الرقم المجاني يستقبل المكالمات حتى من الجوال..
ولكن..!
أنصحك أن لا تقدم على ذلك ولا تقم بالتبليغ .. إلا إذا كنت مستعداً للدخول في مخاصمة وقضية طويلة مع صاحب المتجر..!
فبمجرد الإتصال والإبلاغ فأنت هنا قد تورطت ؛ فسوف تتلقى اتصالاً في اليوم التالي يطلب منك الحضور لفرع وزارة التجارة ؛ وهناك ستُطلب هويتك الوطنية وترفق صورة منها في معاملة تسمى (شكوى) وليست بلاغ ؛ وسوف يُطلب منك فاتورة شراء مصدَّقة من المتجر؛ ويجب عليك تقديم الحجة وإثبات شكواك , وستدخل في سجال وجدال طويل مع مدير الفرع أو أحد الموظفين المختصين , وسوف يُطبع نموذج طلب يسلم لك يدوياً لتقوم بتقديمه شخصياً لصاحب المحل تستدعيه للحضور إلى فرع الوزارة كخصم في مطالبة شخصية , ولا بد أن تكون على استعداد للحضور عند طلبك في أي وقت لجلسة تتقاضى فيها مع خصمك وجهاً لوجه وتُقدِّم حجتك واثباتاتك وله الحق في نقض تهمتك إن لم تُثبت ذلك رسمياً , وسوف يكون لديه الكثير من المخارج المهيأة ؛ وقد تُنهى الجلسة بعدم صحة البلاغ وتُقلب الدعوى لصالح خصمك ويكون له الحق في مطالبتك قضائياً ..
حتماً سوف تحبط من بداية حضورك لفرع الوزارة ؛ وسوف يُقتل فيك هاجس المواطنة..
ولم يكن ذلك أبداً قصوراً من موظفي فرع الوزارة ؛ ولكن هذا هو النظام المتاح لهم من قبل الوزارة نفسها , وهذه هي الإجراءات المتخذة والآلية المحبِطة المأمورون بالسيروفقها , فهم مواطنون ويحملون الهاجس الذي تحمله ؛ وستجد منهم التعاطف الشفهي مع القضية وهم يعانون ماتعاني ويرفضون ماترفضه من أوضاع الفساد التجاري ؛ ولكن لا حول لهم ولا قوة..
ولكي تتأكد من هذه الغرابة ؛ فلتجرب وتبلغ عن أي مخالفة - والمخالفات التجارية (على قفى من يشيل) - فستجد ما قد وجدته ؛ وأكاد أجزم أنك إن فعلت فلن تكرر ذلك..
ولكن من المستحسن أن لا تجرب ؛ فقد وهمونا بالتّعاون لمحاربة الفساد التجاري والقضاء على المخالفات التجارية وهم من يسهّل للتجار مزاولة الفساد بتخوفهم الملموس حيال اتخاذ أي إجراء رادع ومحاولة تليين الجانب مع المفسدين ؛ وكأنهم يحاولون توجيه المواطن إلى أن يغض الطرْف ويدس رأسه ويدع (الدرعاء ترعى) ويقبل أن يُنهش بكل رضا .
ألا ترى أنهم لو كانوا جادّين في محاربة الفساد وأنهم يضعون نصب أعينهم مصلحة المواطن – كما يدّعون – لرأيت الأسواق مليئةً بالمراقبين والمفتشين ولرأيت أسعاراً موحدةً للمبيعات في المتاجر , ومن السهل على جهاز الوزارة فعل ذلك أو حتى الشروع في العمل به , ولكن لم نر إلّا ( أخي المواطن : لا تتردد بالإتصال بالرقم \\\"8001241616\\\" في حال وجود أي مخالفة تجارية .. لنكن يداً بيد للقضاء على الفساد التجاري ) شعاراً برّاقاً لم نجد تفعيلاً وتجاوباً جديًّا لما جاء به .
عذراً على الإطالة ؛ ولكن الحديث ذو شجون ؛ ومصلحة البلد هاجساً يؤرِّق كل مواطن .
فريح الوطن
|