الفجوة الثقافية
لو كان ما يفاضل بين الأمم ويحقق لبعضها السبق والريادة في اقتصادها وسياستها واجتماعها هو مجرد المعرفة العلمية لأمكن تدارك الأمر واقتباس المعرفة من مصادرها في وقت محدود، لكن أسبابا وعوامل أخرى كثيرة تتآلف لتشكل ما يسمى بالثقافة الاجتماعية التي تتراكم على مدى الأجيال وتترسخ لتصيغ لكل أمة صورتها الخاصة التي تميزها عن سائر الأمم ولتحدد معالم شخصيتها المتفردة، فليست المعرفة المجردة أو ما يسمى بالتكنولوجيا ما يصنع الفرق ويحقق التقدم، وإن كان لها النصيب الأوفر ضمن مجموعة من العوامل مثل التراث والآداب والتاريخ والقيم المشتركة والمبادئ التي يتعارف عليها أبناء المجتمع الواحد ويألفونها لتشكل فكر الأمة ولتكون ضميرها الجمعي الذي يتحدث بلسانها ويزن الأمور بعقلها وذوقها. وبقدر التزام الفرد بتلك القيم والمعايير ووفائه لها يكون انتماؤه متجذرا لذاك المجتمع، ومن هنا ينشأ في المجتمعات الحرة ما يسمى بالضمير الحي الذي يرى بعين الإنسانية المتجردة فينتصر لما يعتقد أنها العدالة ويقف إلى جانب الحقوق الطبيعية للإنسان بغض النظر عن عرق هذا الإنسان ومشربه. ولأن الأمر لا يستقيم بمجرد الاكتفاء بالشكل دون المضمون أو باجتزاء بعض المثال دون بعضه الآخر، تفشل الكثير من الأمم في اقتفاء أثر الأمم المتقدمة في ريادتها الاجتماعية والسياسية والعلمية وتأتي نتائج جهدها المنقوص مشوهة وعديمة الجدوى، وحين يشعر المرء بأن القوانين التي تنظم الحياة من حوله هي ترجمة لإرادة العقل الجمعي وترجمة لإرادة الأغلبية في ذاك المجتمع تتولد لديه القناعة بمنطقيتها ويميل إلى القبول بحكمها، كما يمكن أن تلاحظ السلوك العام لأفراد المجتمع ومدى اتساقه مع النظام ومع نواميس الطبيعة المحيطة فترصد ـــ مثلا ـــ بروز الانتماء الوطني على حساب الانتماءات الأخرى وقت الأزمات واحترام النظام العام والمحافظة على البيئة وعلى سلامة الحياة الفطرية واحترام حق الحيوان والنبات في امتلاك محيطه الخاص وبيئته الطبيعية لتقارن ذلك بما تراه في المجتمعات الأخرى من فجوة تفصل بين النظرية وبين الممارسة وإنكار لحق الآخر في التفكير أو في المشاركة أو حتى في مجرد العيش ومن انتهاك لحرمات النظام العام وتعد دائم على نواميس الطبيعة.
سعيد شهاب
|