ورحل عام تساقط الجبابرة
الحمد لله المتفرد في البقاء والكبرياء فكل ما سواه فاني وهو سبحانه الباقي ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.
والصلاة على خير البرية ومعلم البشرية نبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا :
ذهب عام 1432 ولكنه قبل أن يولي دبره راحلاَ توقف وقدم لنا درساَ عظيماَ مختزل في قوله تعالى: ( فأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ )
فيا ترى ما هو هذا الدرس؟
الدرس موجه لجميع من ولي من أمر المسلمين شيئاَ سواء كان حاكم أو أميراً أو وزيراً أو مديراً : يقول لهم أتقو الله في رعاياكم الذين استرعيتم عليهم فوا لله وبالله وتالله لغمسه واحدة بجهنم تنسي نعيم الدنيا وسرورها ولغمسه واحدة في الجنة تنسى شقاء الدنيا وهمومها فأتقو الله واعدلوا بين شعوبكم انصروا المظلوم اردعوا الظالم اكسوا العاري اطعموا الجائع زوجوا العازب وظفوا العاطل يسروا أمور المسلمين فوا لله إنهم رعيتكم الذين سوف يحاجوكم عند الله فإن نجيتم من بطشهم بالدنيا لا تنجون من بطش العزيز الجبار بالآخرة فإن عدلتم فأبشروا بالفوز والفلاح بالدنيا والآخرة ..!
أرسل كسرى رسولاً إلى زيارة عاصمة الإسلام وملكهم عمر بن الخطاب حيث كان يظن أنها مملكة .. وأمره أن ينظر كيف يعيش وكيف يتعامل مع شعبه فلما وصل رسول كسرى إلى المدينة المنورة عاصمة الإسلام لمقابلة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسأل أين قصر أمير المؤمنين؟ ضحك الصحابة من سؤاله هذا و أخذوه إلى بيت من طين وعليه شعر ماعز وضعه عمر لكي لا يسقط المطر فينهدم البيت على رأسه وأولاده ..!
نظر الرسول الى الصحابة ضاناَ منهم أن هذا البيت ربما كان المنتجع الصيفي أو مكاناً ليقضي فيه بعض الوقت هو وأهله..!
فقال: نريد قصر الإمارة! فأكدوا له أن هذا هو!
فطرق الباب ففتح له عبد الله بن عمر بن الخطاب فسأله عن أبيه..فقال ربما كان في نخل المدينة.
ثم دلوه على رجل نائم تحت ظل شجرة ، وفي ثوبه عدد من الرقع ، وبدون أي حراسة ! سبحان الله !
رئيس دولة عظمى يحكم نصف الكرة الأرضية في ذلك الزمان ، ينام على الأرض يغط في نوم عميق يده اليسرى تحت رأسه وسادة ويده اليمنى على عينه تحميه من حرارة الشمس فتعجب من هذا المنظر ولم تصدق ما رأته عيناه وتذكر كسرى وقصوره وحرسه وخدمه فقال قولته المشهورة: \"عدلت فأمنت فنمت يا عمر\"
ولله در من قال :
وَرَاعَ صَاحِبَ كِسْرَى أَنْ رَأَى عُمَراً = بَيْنَ الرَّعِيَّـةِ عُطْـلاً وَهْـوَ رَاعِيْهَا
وَعَـهْدُهُ بِمُلُـوكِ الفُرْسِ أَنَّ لَهَـا = سُوْراً مِنْ الجُنْدِ وَالحُرَّاسِ يَحْمِيْـهَا
رَآهُ مُسْتَغْـرِقـاً فِي نَوْمِهِ فَـرَأَى =فِيْـهِ الجَلاَلَةَ فِـي أَسْمَى مَعَانِيْـهَا
فَوْقَ الثَّرَى تَحْتَ ظِلِّ الدَّوْحِ مُشْتَمِلاً= بِبُرْدَةٍ كَـادَ طُـوْلِ العَهْدِ يُبْلِيْهَا
فَهَـانَ فِي عَيْنِهِ مَا كَانَ يُكْبِـرُهُ = مِـنَ الأَكَاسِرَ وَالدُّنْيَـا بِأيْدِيْـهَا
وَقَـالَ قَـوْلَةَ حَقٍّ أَصْبَحَتْ مَثَلاً = وَأَصْبَحَ الجِيْلُ بَعْدَ الجِيْلِ يَرْوِيْـهَا
أَمِنْتَ لَمَّا أَقَمْتَ العَـدْلَ بَيْنَهُمُو = فَنِمْتَ نَوْمَ قَرِيْرِ العَيْـنِ هَانِيْـهَا
فيا من وليتم من أمر المسلمين شيئا اعدلوا حتى تأمنوا وتناموا واحذروا من الظلم حتى لا يكون مصيركم مثل مصير أسلافكم :
منهم من احترق ومنهم من سجن ومنهم من هرب ومنهم من قتل ومنهم من ينتظر نحبه وصدق ربنا إذ قال : (فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)
محمد رمضان العنزي
|