قبلت عليها فاحتضنتي كعادتها بحسن الاستقبال وكرم الضيافة .. تأملتها وكأن لسان حالها يقول : أرجوك لا تهجرني وزرني بين الفينة والأخرى فما وجدت إلا لأجلك .. لا تتفوه بكلمة .. كريمة معطاءة .. تتخير من بضاعتها ما لذ وطاب .. وهي مستكينة هادئة ..
بادرتها بسؤالي : ما رأيك بالسعادة .. نكررها دائما .. نقولها .. نصفها ونصف بها ، أليس لها تعريف محدد ؟
فكان ردها :
السعادة ............كلمة صغيرة لمعنى عظيم ........ يضيّقه البعض .... ويوسعه آخرون .............. يقصره أناس على أشياء معينة وفي أوقات محددة ....... ويعممه الغير على الحياة كلها ...... الجميع يسعى لها ..........يسلكون طرقا ..........يواجهون صعابا ...... يتحملون آلاما .......... تتغير الأحوال ........ وتبقى السعادة الهدف والغاية في كل حال
ثم تابعت قائلة استمع لما يزودك به أبنائي عن السعادة فلديهم الكثير الكثير عنها :حركاتي أعلمت بالموافقة وإبداء الرغبة والشغف لما يقولون !!!
نهض الأول وقال وما أجمل ما قال : لا سعادة بلا اطمئنان ، ولا اطمئنان بلا إيمان : {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} الرعد ( 28 )
فأردف الثاني بقوله : إن الإنسان الذي يظن أنه يستطيع أن يكون سعيدا طوال حياته ليس إلا مجنونا .. فنحن جميعا نعرف أن الدليل الوحيد على تمتعنا بكامل قوانا العقلية يكمن في قدرتنا على الشعور بالتعاسة ، عندما نفاجأ بحدث يعكر صفو حياتنا ..
إن الحياة الحقيقية هي السعادة التي نشعر بها من بعد حزن .. هي في صفاء النفوس من بعد خلاف .. هي في الحب بعد العراك الذي ينشب بين زوجين .. هي في النجاح الذي نص إليه من بعد فشل .. هي في الأمل الذي يملأ صدورنا بعد أن نكون قد يئسنا من حياتنا وكل ما تحمله لنا الحياة .. هذه الحياة هي الحياة وهذه فلسفتها ..."
فتحمس الثالث وأستأذن ليبين الفرق بين السعداء والتعساء فقال : التعساء يتخيلون مشاكل لا حقيقة لها ، ويتناطحون مع أعداء لا وجود لهم ، بينما السعداء يتعاملون مع المشاكل الموجودة ، وكأنها من عالم الخيال ، ومع الأعداء وكأنهم محايدون .
ثم أوصى بقوله : كن سعيدا وأنت في الطريق إلى السعادة ، فالسعادة الحقة هي في المحاولة وليست في محطة الوصول .
أما الرابع فكان وقورا جدا وبهدوء همس : تتوقف السعادة على ما تستطيع إعطائه لا على ما تستطيع الحصول عليه .
وكان الخامس حريصا على أن يخبرني بأن الفضيلة هي الحكمة ، والحكمة هي الصلاح ، والصلاح هو السعادة .
وكم تمنيت أن يتحدث السادس في البداية لأنني رأيت تقييده من قبل أمه وعدم سماحها له بالبدء بالحديث وأخيرا انطلق وقال بصوت عال : قد تكمن سعادة الإنسان في تحصيل ما حرم منه ولذلك فهي :
عند الفقراء :في الحصول على المال والثروة .
وعند المرضى : الشفاء والصحة .
وعند العشاق : اللقاء والوصال .
وعند الغرباء : العودة إلى الوطن .
وعند السجناء : تحقيق الحرية .
وعند المظلومين : الإنصاف والعدل .
أما السابع فكان جالسا بين عدد من أولاده فقال لي بروية وتأن : السعادة في أن يعيش الإنسان مع زوجة يحبها ، وفي بلد يحبه ، ويشتغل في عمل يحبه .
والثامن فكان في مكان مرتفع عن بقية إخوته فقال : لا تبحث عن السعادة ، ولكن كن مستعدا دائما لأن تكون سعيدا . السعادة لا تشترى بالمال ولكنها تباع به .
أما التاسع فغير آبه بكل ما قيل ونظر إلي وقال كلمة مقتضبة : لو كانت السعادة تعني الحياة بلا قلق ، لكان المجانين هم أسعد الناس .
أما العاشر فلم يستقر على وضع فنظرت إليه فبادرني بقوله : السعادة تختلف باختلاف الأعمار ففي العشرينات هي الحب ، وفي الأربعينات هي الطموح ، وفي الستينات هي المجد ، وبعد ذلك الراحة ، فالحياة منتظمة لدرجة أنك لا تجد شخصا يسعى دائما وراء نوع واحد من السعادة حتى مماته .
شكرت الأم وأبناءها على ما قدموه لي من معلومات طيبة وآراء متنوعة عن السعادة ووعدت بزيارة قريبة للمكان...
بقي أن تعلموا أن محدثتي " الأم " هي مكتبتي والأبناء هم الكتب - بأفكار كتابها - التي إطلعت عليها واستقيت من مضامينها ..
انصرفت من غرفتي لألتقي بكم وأوجه إليكم سؤالا غير ملزمين بالإجابة عليه:
وأنت يا صديقي متى ترى نفسك سعيدا ؟ وماذا تعني لك السعادة ؟ وما أجمل أن تغلفها بوجهة نظرك للحياة وفلسفتك فيها ...
حفظكم الله وأسعدكم ..
الدكتور : عبدالله عواد الرويلي
رئيس قسم الإرشاد الطلابي بتعليم الحدود الشمالية
|