المثقفون الجدد
في عصر العولمة والشبكات الاجتماعية ظهر على السطح خامات ثقافية نقية لم يمسسها التخلف والتبعية من قريب ولا من بعيد , يميزهم أنهم لم يدرسوا على يد شيخ لا يريهم إلا ما يرى , ولم يتتلمذوا على يد منظر أو متفلسف يعيش في غياهب الزمن , فتكون لدى هذه الفئة من المثقفين مخزون ثقافي خصب, يحصلون على المعلومة التي يريدون من أينما يريدون كيفما يريدون , لا يوجههم في بحثهم إلا شغفهم بالمعرفة وحبهم للاستطلاع , هؤلاء هم المثقفون الجدد .
هؤلاء الذين اتخذوا من الانترنت مرجعاً لهم , ومن الفيسبوك مضلة لأفكارهم , ومن التويتر ساحة لنقاشاتهم , ليطرحوا فيها ما تمخض من أفكارهم دون قيود , أفكارهم حرة , وطرحهم نقي , ومبادئهم واضحة , ليأتوا بما لم يأتي به من قبلهم ,ليدخلوا في الساحة الثقافية بعد أن عاث فيها البعض فساداً , وامتلأت زواياها بالعث والعفن , وعاش من تبقى فيها في بروج عالية ونخبوية زائفة لا يسمعون فيها إلا همسهم و لا يعرفون عن العوام إلا أنهم هوام يعيشون بعيداً هناك في وادي سحيق من الظلمات .
في حين أن مثقفونا الجدد حولوا استراحاتهم إلى صالونات ثقافية ,ومجالسهم إلى مسارح متنقلة , واجهزتهم النقالة إلى دور اوبرا عالمية , لينتقلوا عبر التقنية إلى عوالم أخرى طوتها صفحات التاريخ , ويستشفوا منها ما هو قادم , بينما لا يزال البعض متسمراً في مكانه لا يفهم ما يجري حوله منتظراً أن يحدث ما يحرك ركود حالته الثقافية المتجمدة , ليجد ضالته في لوبي فندق أو في مطار , أو حتى في فرع إحدى الهيئات , فتتحول تلك اللحظة إلى فرصة ليكون نجم السهرة بامتياز ,فيسب هذا ويكفر ذاك ويقذف تلك ليسمع تصفيقاً حاراً من جمهوره الهَرِم , وما إن تطلع الشمس حتى يعود كما كان متجمداً في زوايا أحدى الصحف .
ملاحظة : إنسان + انترنت + حب إطلاع = مثقف وإن طال الزمن
لم تعد معادلات الثقافة معقدة .
طارق الحمراني
|