أسطورة الشعر
أسطورة الشعر وربانها وقائدها وفارسها بلا منافس ..!
عندما دخل الساحة الشعرية تنحى كل الشعراء جانباً وكأن لسان حاله يقول:
سيعلـم الجمع ممن ضم مجلسنا** بأنني خير من تسعى به قـــــدم
أنا الذي نظر العمى إلى أدبي ** وأسمعـت كلماتي من به صمــم
كيف لا وهو الذي من جمال وعذوبة وروعة ورقة أبياته الشعرية أصبحت أمثلة دارجة على جميع الألسن.!
فهو القائل:
الخيل والليل والبيــداء تعرفنــــي ** والسيف والرمح والقرطاس و القلم
وهو القائل:
أنام ملء جفونــــي عن شوارد ها **ويسهرُ الخلقُ جراها ويختصـم
وهو القائل:
على قدرِ أهلِ العزمِ تأتي العزائمُ **وتأتي على قدرِ الكرامِ المكـــــارمُ
وتعظمُ في عينِ الصغيرِ صغارها ** وتصغر في عينِ العــــظيمِ العظائمُ
وهو القائل:
إذا غامرت في شرفٍ مروم ٍ **فلا تقنع بما دونِ النجــــــــومِ
فطعمُ الموتِ في أمرٍ حقيـــرٍ ** كطعم الموت في أمرٍ عظيـــــمِ
وهو القائل:
إذا رأيت أنياب الليّثِ بارزةً **فلا تظننّ أنَّ الليّث يبتـــــــــــسمُ
وهو القائل:
إذا أنت أكرمت الكريمَ ملكته **وإن أنت أكرمت اللئــــيمَ تمّردا
وهو القائل:
عيدٌ.. بأي حال عدت يا عيد** بما مضى أم بأمـرٍ فيك تجديد
هل عرفتموه؟
إنه أبو الطيب المتنبي احمد بن الحسين بن الحسن الكوفي يقال أن والده الحسين سماه احمد ولقبه بأبي الطيب , ويقال إنه لم يعرف أمه لموتها وهو طفل فربته جدته لأمه اشتهر بحدة الذكاء وظهرت موهبته الشعرية باكراًً فقال الشعر صبياً وهو في حوالي العاشرة.
من أعظم شعراء العرب إن لم يكن أعظمهم على الإطلاق، وأكثرهم تمكناً باللغة العربية وأعلمهم بقواعدها ومفرداتها، صاحب كبرياء وشجاع طموح محب للمغامرات اشتهر بشعر الحكمة والمدح والهجاء والفخر بل اشتهر في جميع أغراض الشعر.
قيل انه سمي بالمتنبي لأنه أدعى النبوة في بداية حياته ثم سجن وتاب فقبل الخليفة توبته وأطلق سراحه ولعل هذا من الخطأ في حق أبو الطيب كما حقق ذلك العلامة محمود شاكر في كتابه عن المتنبي .
كانت الفترة التي ولد فيها المتنبي فترة متوترة فقد شهدت تفكك الدولة العباسية وتشتت الدويلات الإسلامية التي كانت موجودة في ذلك العهد فالخلافة في بغداد تلاشت وانحسرت وتفرقت السلطة فيها بين أيدي قادة الجيش والوزراء.
وبلاد الشام انقسمت و ظهرت فيها الكثير من الدويلات وأصبحت الثغور الإسلامية مطمع للروم وظهرت أيامها الكثير من الحركات مثل حركة القرامطة الدموية وغيرها وكان كل أمير أو وزير يجمع في مجلسه العلماء والشعراء لكي يكسب الثناء والفخر وكان كل شاعر يختلف مع أمير يذهب إلى الأمير المنافس لكي يمدحه وينال الشرف بقربه .
المتنبي في تلك الفترة وقد سارت الركبان بأشعاره وأخباره كانت تراوده نفسه بالإمارة وكان يبحث عن أمير يمدحه في شعره ويصل في نفس الوقت إلى مقصده ويتولى إحدى الإمارات بقربه.
اتصل في تلك الفترة شاعرنا المتنبي بسيف الدولة الحمداني في حلب وكانا في سن متقاربة فعرض عليه أن يمدحه بأشعاره على أن لا يقف بين يديه لينشد عليه قصيدته كما يفعل باقي الشعراء فأجاز له سيف الدولة وأصبح المتنبي من شعراء بلاط سيف الدولة .
لكن الوشاة والحساد استطاعوا التفريق بين سيف الدولة والمتنبي وزرعوا بينهم العداوة حتى قام سيف الدولة بطرد المتنبي وكان يحترق شاعرنا على هذا الجفاء الذي حصل بينه وبين سيف الدولة ولعل هذا البيت يصف لنا معاناته كاملة:
يا اعدل الناس إلا في معاملتي ** فيك الخصام و أنت الخصم والحكم
غادر شاعرنا حلب متوجهاً إلى مصر وأقام عند واليها كافور الإخشيدي ومدحه بأنفس القصائد وكان كافورا هذا يغدق عليه الهدايا والأموال لكن المتنبي لم يكن يريد المال بل كان يطمع بالولاية والإمارة وحاول أن يوليه احد الولايات التي كانت تحت حكمه لكنه لم يبلغه مراده فما كان منه إلا أن هجاه بأقذع ما أملت عليه موهبته الشعرية نذكر منها هذه الأبيات:
نـامَـت نواطِـيـرُ مِـصـرٍ عَــن ثَعالِـبِـهـا ** فقـد بَشِـمْـنَ ومــا تَفْـنـى العناقـيـدُ
الـعَـبـد لـيــسَ لِـحُــرٍّ صــالــحٍ بــــأخٍ ** لَــو أنــهُ فــي ثـيــابِ الـحــرِّ مـولــود
لا تشـتَـرِ الـعَـبـد إلا والـعَـصَـا مـعــه ** إِن الـعَـبِـيــدَ لأنـــجـــاسٌ مَـنـاكــيــد
مقتله:
كان المتنبي قد هجا شخصاَ يقال له ضبة بن يزيد الأسدي بقصيدة شديدة وذكره بأبشع الألفاظ فلما كان المتنبي عائداً يريد الكوفة لقيه فاتك بن أبي جهل الأسدي وهو خال ضبة وكان مع المتنبي أبنه وغلامه فلما رآه المتنبي حاول الهرب فقال له غلامه أتهرب وأنت الذي تقول:
الخيل والليل والبيــداء تعرفنــــي ** والسيف والرمح والقرطاس و القلم
فما كان من المتنبي إلا أن قال له ويحك قتلتني قتلك الله فعاد وقاتل حتى قتل.
في الختام:
أنا أتكلم وأمتدح الجانب الشعري والأدبي في المتنبي وأما الجانب الشخصي والشرعي في شعره فقد كفانا العلماء وإياكم عناء البحث فيمكنكم الرجوع إلى كتاب البداية والنهاية لابن كثير فسوف تجدون في ترجمة المتنبي كل ماتحتاجون معرفته.
محمد رمضان
|