خيركم 3
(خيركم تعلم القرآن وعلمه: 1-3)
صح الحديث عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (( خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) . قال وأقرأ أبو عبد الرحمن في إمرة عثمان حتى كان الحجاج قال وذاك الذي أقعدني مقعدي هذا. وفي رواية: ((إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه))، رواه البخاري في فضائل القرآن من صحيحه وأخرجه أيضاً الإمام أحمد والترمذي في فضائل القرآن. وأبوداود في أواخر الصلاة وابن ماجه في السنة، والدارمي وابن حبان. وأخرجه النسائي في الكبرى وفي الباب عن علي عند أحمد والترمذي والدارمي وعن سعد عند الدارمي وعن ابن مسعود عند ابن أبي داود.
والكلام في شرح هذا الحديث بعون الله في ثلاثة فصول (1-في شرحه، 2-ثم في فضل تعلم القرآن وتعليمه، 3-ثم في نماذج من حال أهل القرآن)
تنبيه:
قد يستشكل بعض الناس الجمع بين هذا الحديث ونظائره مما فيها التفضيل لبعض الأعمال أو العاملين، كحديث ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) و((خيركم خيركم لأهله)) و((خيركم أحاسنكم أخلاقاً)) ونظائر ذلك من الأحاديث التي فيها تفضيل بعض الأعمال كما فى حديث ((أفضل الأعمال الإيمان بالله ثم الجهاد ثم الحج)) وفى حديث ((الإيمان والجهاد)) وفى حديث ((الصلاة ثم بر الوالدين ثم الجهاد)) وفى حديث أي الإسلام خير قال ((تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف)) وفى حديث أي المسلمين خير قال ((من سلم المسلمون من لسانه ويده)) وأمثال هذا فى الحديث كثير، واختلف العلماء فى الجمع بينها فذكر الإمام النووي عن الإمام الجليل أبي عبد الله الحَليمى الشافعى عن شيخه الإمام العلامة المتقن أبى بكر القفال الشاشى الكبير، قال الحليمى وكان القفال أعلم من لقيته من علماء عصره أنه جمع بينها بوجهين:
أحدهما أن ذلك اختلاف جواب جرى على حسب اختلاف الأحوال والأشخاص فإنه قد يقال خير الأشياء كذا ولا يراد به خير جميع الأشياء من جميع الوجوه وفى جميع الأحوال والأشخاص بل في حال دون حال أو نحو ذلك واستشهد في ذلك بأخبار منها عن بن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ((حجة لمن لم يحج أفضل من أربعين غزوة وغزوة لمن حج أفضل من أربعين حجة)).
الوجه الثاني: أنه يجوز أن يكون المراد من أفضل الأعمال كذا أو من خيرها أو من خيركم من فعل كذا فحذفت (من) وهي مرادة كما يقال فلان أعقل الناس.اهـ
قلت: حديث: ((حجة لمن لم يحج..)) لم أجده بهذا اللفظ لكن جاء من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث: حدثني يحيى بن أيوب، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن يسار، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «حجة لمن لم يحج خير من عشر غزوات، وغزوة لمن قد حج خير من عشر حجج، وغزوة في البحر خير من عشر غزوات في البر، ومن أجاز البحر فكأنما أجاز الأودية كلها، والمائد فيه كالمتشحط في دمه»
أخرجه الحاكم ( 2/143 ) والطبراني في المعجم الأوسط (3144) والبيهقي في السنن الكبرى (8928) وفي شعب الإيمان (3917) وقال الحاكم : " صحيح على شرط البخاري ". ووافقه الذهبي، وكذا المنذري قال : " وهو كما قال، ولا يضر ما قيل في عبد الله بن صالح ؛ فإن البخاري احتج به " . وقال المناوي : " وسنده لا بأس به ". وفيه نظر، فإن ابن صالح فيه كلام كثير، وقد قال الحافظ فيه : " صدوق كثير الغلط، ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة ". والله أعلم
أولاً: شرح الحديث:
قوله: (خيركم) وفي رواية إن أفضلكم ولا فرق بينهما في المعنى لأن قوله "خيركم" تقديره أخيركم ولا شك إن أخيرهم هو أفضلهم.
وقال الطيبي: أي خير الناس باعتبار التعلم والتعليم من تعلم القرآن وعلمه. وقال ميرك: أي من خيركم. قال القاري: ولا يتوهم إن العمل خارج عنهما لأن العلم إذا لم يكن مورثاً للعمل فليس علماً في الشريعة إذا جمعوا على أن من عصى الله فهو جاهل قال إذا كان خير الكلام كلام الله فكذلك خير الناس بعد النبيين من يتعلم القرآن ويعلمه، لكن لا بد من تقييد التعلم والتعليم بالإخلاص- انتهى
وفي هذا الحديث وما جاء في معناه الحث والحض على العناية بتعلم القرآن وتعليمه من حيث التلاوة والحفظ والمعاني والعلم والعمل.
قال ابن حجر: قوله ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) كذا للأكثر وللسرخسي أو علمه وهي للتنويع لا للشك وكذا لأحمد عن غندر عن شعبة وزاد في أوله: ((إنَّ)) وأكثر الرواة عن شعبة يقولونه بالواو وكذا وقع عند أحمد عن بهز وعند أبي داود عن حفص بن عمر كلاهما عن شعبة وكذا أخرجه الترمذي من حديث علي وهي أظهر من حيث المعنى لأن التي (بأو) تقتضي إثبات الخيرية المذكورة لمن فعل أحد الأمرين فيلزم أن من تعلم القرآن ولو لم يعلمه غيره أن يكون خيرا ممن عمل بما فيه مثلا وإن لم يتعلمه.
ولا يقال: يلزم على رواية (الواو) أيضا أن من تعلمه وعلمه غيره أن يكون أفضل ممن عمل بما فيه من غير أن يتعلمه ولم يعلمه غيره لأنا نقول يحتمل أن يكون المراد بالخيرية من جهة حصول التعليم بعد العلم والذي يعلم غيره يحصل له النفع المتعدي بخلاف من يعمل فقط بل من أشرف العمل تعليم الغير فمعلم غيره يستلزم أن يكون تعلمه وتعليمه لغيره عمل وتحصيل نفع متعد ولا يقال لو كان المعنى حصول النفع المتعدي لاشترك كل من علم غيره علما ما في ذلك لأنا نقول القرآن أشرف العلوم فيكون من تعلمه وعلمه لغيره أشرف ممن تعلم غير القرآن وإن علمه فيثبت المدعى، ولا شك أن الجامع بين تعلم القرآن وتعليمه مكمل لنفسه ولغيره جامع بين النفع القاصر والنفع المتعدي ولهذا كان أفضل وهو من جملة من عني سبحانه وتعالى بقوله (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين)، والدعاء إلى الله يقع بأمور شتى من جملتها تعليم القرآن وهو أشرف الجميع، وعكسه الكافر المانع لغيره من الإسلام كما قال تعالى: (فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها).
فإن قيل فيلزم على هذا أن يكون المقرئ أفضل من الفقيه قلنا لا لأن المخاطبين بذلك كانوا فقهاء النفوس لأنهم كانوا أهل اللسان فكانوا يدرون معاني القرآن بالسليقة أكثر مما يدريها من بعدهم بالاكتساب فكان الفقه لهم سجية فمن كان في مثل شأنهم شاركهم في ذلك لا من كان قارئا أو مقرئا محضا لا يفهم شيئا من معاني ما يقرؤه أو يقرئه فإن قيل فيلزم أن يكون المقرئ أفضل ممن هو أعظم غناء في الإسلام بالمجاهدة والرباط والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثلا قلنا حرف المسألة يدور على النفع المتعدي فمن كان حصوله عنده أكثر كان أفضل فلعل من مضمرة في الخبر ولا بد مع ذلك من مراعاة الإخلاص في كل صنف منهم ويحتمل أن تكون الخيرية وإن أطلقت لكنها مقيدة بناس مخصوصين خوطبوا بذلك كان اللائق بحالهم ذلك أو المراد خير المتعلمين من يعلم غيره لا من يقتصر على نفسه أو المراد مراعاة الحيثية لأن القرآن خير الكلام فمتعلمه خير من متعلم غيره بالنسبة إلى خيرية القرآن وكيفما كان فهو مخصوص بمن علم وتعلم بحيث يكون قد علم ما يجب عليه عينا.اهـ
قال ابن الجوزي: في ((كشف المشكل)): لما كان القرآن العزيز أصل العلوم مع كونه كلام الله تعالى كان أفضل العلوم، فإن قيل فأيما أفضل تعلم القرآن أو تعلم الفقه فالجواب أن تعلم اللازم منهما فرض على الأعيان وتعلم جميعها فرض على الكفاية فإذا قام به قوم سقط الفرض عن الباقين فقد استويا في الفريضة في الحالتين فإذا فرضنا الكلام في التزيد منهما على قدر الواجب في حق الأعيان فالتشاغل بالفقه أفضل وذاك راجع إلى حاجة الإنسان لا أن الفقه أفضل من القرآن وإنما كان الأقرأ في زمان رسول الله هو الأفقه فلذلك قدم القارئ في الصلاة.اهـ
وللحديث صلة ... والله أعلم
سعد بن شايم
مدير الدعوة والارشاد بمدينة عرعر