يروى أنه في بلاد الواق الواق البعيدة بلاد ما خلف الوطن كانت تعيش مجموعة من البشر يسمَون بالمواطنين الجُدد ؛يعيشون على الضفة الاخرى من النهر الذي يروي ضمأ البلاد والعباد غير أنهم لا يعرفون عن هذا النهر إلا شكله الجميل , فلا يعرفون منه لا سمك يأُكل ولا ماء يشرب .

داوم سكان بلاد الواق الواق العجيبة على النظر لهذا النهر بحسرة يرونه جاريٍ أمامهم بخيره وخيراته وسمكه ومائه وإخوانهم على الضفة الأخرى هم وحدهم من يستفيدون منه ويقتنون من خيراته ما شاءوا ويعطون أهل هذه البلاد من فتات هذه الخيرات حسنة من عندهم , حيث اقتنعوا أن سكان بلاد ما خلف النهر ليسوا إلا كائنات متطفلة على نهرهم الخالد وعلى وطنهم المجيد .

تعالت الاصوات وكثرة المعاريض والمخاطبات للمطالبة بزيادة هذا الفتات غير أن الردود كانت جميلة والأفعال كانت مشينة حتى أنزعج أهل النهر من رجاءات الواق واقيون اللحيحة , فاتفقوا على تجنيد أحد الواق واقيون لتحسين صورتهم لديهم وتجميل أخطائهم وإقناعهم بان هذا الخطأ هو الصواب والصواب فقط .

اختاروا لهم شخصاً يحمل صوتاً قبيحاً وطبلاً كبيراً اعتاد على التطبيل فيه بالأسواق والتجمعات وكانوا يطلقون عليه (المُطبل) , فهم بنشاط يطبل في كل الفعاليات والأسواق ويتغنى ان هذا النهر ليس لكم وأنتم لستم إلا دخلاء على هذا النهر وأن وجودكم قريبين منه ليس إلا رحمة من عند أهل النهر , فليس بوسعكم إلا الشكر لهم وتمجيدهم .

تابع الواق واقيون هذا المطبل بعين من الحسرة , وعين من الألم , عين على النهر وخيراته , وعين على المطبل وإزعاجه , ومع الايام تزايدت أعداد المطبلين حتى تحول التطبيل إلى هواية يعشقها الجميع, فمنهم من يطبل في الأسواق , وآخرون على المنابر وغيرهم في السكك والدهاليز وكلٌ منهم يصدح بصوته المشين ممجداً لأهل النهر ومقدساً لهم وشاكراً لهم على كل ما يفعلونه من ظلم وإستبداد حتى أن بعضهم تجمعوا في منتدى يخصهم يطبلون فيه مع بعضهم ويرفعون فيه اروع آيات الكذب والنفاق لمقام أهل النهر .

وفي احد الأيام أفاق اهل هذه البلاد ليكتشفوا أن نهرهم جف ونضب وان أهل النهر ذهبوا لنهر غيره ونسيوهم مرميين هناك خلف انقاض النهر الجاف فعاد كلٌ منهم لبيته وأخرج طبله وبدأ يكمل تمجيده وتخليده لذكرى وطن لم يعيشوا إلا على أنقاضه و أخر أطراف تفكيره , ولا يزالون حتى هذا اليوم فقراء جائعين ولكن مطبلين .