خيركم 4 - صحيفة عرعر اليوم

صحيفة عرعر اليوم


صحيفة عرعر اليوم

صحيفة عرعر اليوم

صحيفة عرعر اليوم

صحيفة عرعر اليوم

صحيفة عرعر اليوم

صحيفة عرعر اليوم

صحيفة عرعر اليوم

صحيفة عرعر اليوم

صحيفة عرعر اليوم





 

05-06-2012 07:12 PM

سعد شايم
سعد شايم


(خيركم تعلم القرآن وعلمه ـ الجزء الرابع )


قبل البدء بالمقال أنبه إلى أمر مهم وهو أن كثيراً من القراء يستطيل المقالات التي أكتبها، ويرغب أن تكون قصيرة يقرأها سريعاً، فيصل إلى مضمونها بلا كلفة ! فأقول لهم: كم تنميت أن أستطيع هذا الفن من الاختصار فلم أجد نفسي تستطيعه لأن مرادي من هذه المقالات هو بذل النصح والعلم محرراً بدليله مستقصياً، مع أني أختصر المقال بعد كتابته اختصاراً، لكني أتحير كثيراً فيما أحذف وأبقي، فأجدني أحب لأخواني أن يطلعوا على هذه الفائدة، وتلك المسألة، وهذا الدليل، وذلك القول! لأن العلم إن لم يكن عن قناعة ودليل وتحرير، لا يكفي فيه الإشارة والرمز، فمجرد عرض الرأي لا يقنع الطالب، ولا يشبع الراغب.

ينبغي للمسلم أن يعود نفسه على طول القراءة والجلد على ذلك والصبر على المسائل والكتب النافعة، فهذا ديدن كبار العلماء وفحول الأدباء، وأما من يريد أن يختلس الفوائد اختلاساً في سطور قليلة، وكلمات يسيرة، فلن يصل إلى ما يشفي العِلَّةَ ويبل الغُلَّةَ،
(ولكلٍ وجهةٌ هو موليها، فاستبقوا الخيرات)
ونعود إلى متابعة حديثنا، فنقول وبالله التوفيق:
ثانياً فضل تعلم القرآن وتعليمه:
لم يأمر الله تعالى نبيه محمداً أن يسأل الزيادة من شيء إلا من القرآن والعلم به، فقال: (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً) (طه : 114)، وهذا كقوله تعالى: ( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ) [القيامة: 16-19] ، وثبت في الصحيح عن ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعالج من الوحي شدّة، فكان مما يحرّك لسانه، فأنزل الله هذه الآية يعني: أنه، عليه السلام، كان إذا جاءه جبريل بالوحي، كلما قال جبريل آية قالها معه، من شدّة حرصه على حفظ القرآن، فأرشده الله تعالى إلى ما هو الأسهل والأخف في حقه؛ لئلا يشق عليه. فقال: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) أي: أن نجمعه في صدرك، ثم تقرأه على الناس من غير أن تنسى منه شيئًا، ( فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ) وقال في هذه الآية: (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ) أي: بل أنصت، فإذا فرغ الملك من قراءته عليك فاقرأه بعده، ( وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ) أي: زدني منك علمًا. قال ابن عُيَيْنَة، رحمه الله: ولم يزل صلى الله عليه وسلم في زيادة من العلم حتى توفاه الله عز وجل. ولهذا جاء في الحديث: "إن الله تابع الوحي على رسوله، حتى كان الوحي أكثر ما كان يوم تُوُفِّيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم انفعني بما علَّمتني، وعلمني ما ينفعني، وزدني علمًا، والحمد لله على كل حال" رواه الترمذي وابن ماجة.

وفي هذه الآية تأديب الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وأمته في حال تلقي العلم والقرآن، وأن يكون بتأنٍّ وحرص وصدق وسؤال الله تعالى التوفيق فيه والزيادة منه. قال العلامة عبد الرحمن السعدي: ( وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ) أي: لا تبادر بتلقف القرآن حين يتلوه عليك جبريل، واصبر حتى يفرغ منه، فإذا فرغ منه فاقرأه، فإن الله قد ضمن لك جمعه في صدرك وقراءتك إياه، كما قال تعالى: ( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ) ولما كانت عجلته صلى الله عليه وسلم على تلقف الوحي ومبادرته إليه تدل على محبته التامة للعلم وحرصه عليه أمره الله تعالى أن يسأله زيادة العلم فإن العلم خير وكثرة الخير مطلوبة وهي من الله والطريق إليها الاجتهاد والشوق للعلم وسؤال الله والاستعانة به والافتقار إليه في كل وقت، ويؤخذ من هذه الآية الكريمة الأدب في تلقي العلم وأن المستمع للعلم ينبغي له أن يتأنى ويصبر حتى يفرغ المملي والمعلم من كلامه المتصل بعضه ببعض فإذا فرغ منه سأل إن كان عنده سؤال ولا يبادر بالسؤال وقطع كلام ملقي العلم فإنه سبب للحرمان وكذلك المسئول ينبغي له أن يستملي سؤال السائل ويعرف المقصود منه قبل الجواب فإن ذلك سبب لإصابة الصواب.اهـ

وقال تعالى: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) (المزّمِّل : 4 ) أي: اقرأه على تمهل، فإنه يكون عونا على فهم القرآن وتدبره. وكذلك كان يقرأ صلوات الله وسلامه عليه، قالت عائشة: كان يقرأ السورة فيرتلها، حتى تكون أطول من أطول منها. فإن ترتيل القرآن به يحصل التدبر والتفكر، وتحريك القلوب به، والتعبد بآياته، والتهيؤ والاستعداد التام له، فإنه قال: ( إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا ) أي: نوحي إليك هذا القرآن الثقيل، أي: العظيمة معانيه، الجليلة أوصافه، وما كان بهذا الوصف، حقيق أن يتهيأ له، ويرتل، ويتفكر فيما يشتمل عليه.
وقال تعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا ) [النساء: 82] ، وقال تعالى: ( كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ ) [ص: 29] ، وقال تعالى: ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) [محمد: 24] .
قال الحافظ ابن كثير: فالواجب على العلماء الكشف عن معاني كلام الله، وتفسير ذلك، وطلبه من مظانه، وتَعلُّم ذلك وتعليمه، كما قال تعالى: ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ) [آل عمران: 187] ، وقال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) [آل عمران: 77] . فذم الله تعالى أهل الكتاب قبلنا بإعراضهم عن كتاب الله إليهم، وإقبالهم على الدنيا وجمعها، واشتغالهم بغير ما أمروا به من اتباع كتاب الله، فعلينا -أيها المسلمون-أن ننتهي عما ذمَّهم الله تعالى به، وأن نأتمر بما أمرنا به، من تَعَلُّم كتاب الله المنزل إلينا وتعليمه، وتفهمه وتفهيمه، قال الله تعالى: ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نزلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ * اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) [الحديد: 16، 17] . ففي ذكره تعالى لهذه الآية بعد التي قبلها تنبيه على أنه تعالى كما يحيي الأرض بعد موتها، كذلك يلين القلوب بالإيمان بعد قسوتها من الذنوب والمعاصي، والله المؤمل المسؤول أن يفعل بنا ذلك، إنه جواد كريم.اهـ
هذا وقد صحت الأحاديث بالحث والترغيب على تلاوة القرآن وحفظه نذكر منها جملة تكون مرغبة للمسلم وحاثة على العناية بالقرآن تلاوة وحفظاً وعلماً وعملاً :

1-عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف )) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح غريب

2-وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده )) رواه مسلم وأبو داود وغيرهما

3-وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة فقال: ((أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطيعة رحم)) فقلنا يا رسول الله كلنا نحب ذلك! قال: ((أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم أو فيقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين وثلاث وأربع خير له من أربع ومن أعدادهن من الإبل)) رواه مسلم وأبو داود.
بُطحان والعَقيق واديان قرب المدينة

4-وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر))
متفق عليه
الأترجة: نوع من الفاكهة قريب من البرتقال. قال السندي: بضم همزة وراء وتشديد جيم وهي من أفضل الثمار لكبر جرمها وحسن منظرها وطيب طعمها ولين ملمسها ولونها يسر الناظرين.اهـ

5- وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران)) متفق عليه وفي رواية ((والذي يقرؤه وهو يشتد عليه له أجران))

6-وعن أبي ذر رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله أوصني قال ((عليك بتقوى الله فإنه رأس الأمر كله)) قلت يا رسول الله زدني قال: ((عليك بتلاوة القرآن فإنه نور لك في الأرض وذخر لك في السماء)) رواه ابن حبان في صحيحه في حديث طويل، وحسنه الألباني.

7-وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((القرآن شافع مشفع وماحل مصدق من جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار )) رواه ابن حبان في صحيحه وصححه الألباني.
قال ابن الجوزي في غريب الحديث: ماحِلٌ مُصَدَّقٌ أي سَاعٍ وقيل خصْمٌ مجادل.

8-وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه )) الحديث رواه مسلم.

9-وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( يجيء صاحب القرآن يوم القيامة فيقول القرآن يا رب حَلِّهِ، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول يا رب زده فيلبس حُلة الكرامة، ثم يقول يا رب ارض عنه فيرضى عنه فيقال له اقرأ وارق ويزداد بكل آية حسنة)) رواه الترمذي وحسنه وصححه ابن خزيمة والحاكم.

10-وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((يقال لصاحب القرآن اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها)) رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وقال الترمذي حديث صحيح

11-وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا حسد إلا في اثنتين رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار فسمعه جار له فقال ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل، ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحق فقال رجل ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل)) رواه البخاري
والحسد هنا المراد بها الغبطة، وهو أن يتمنى مثل ما عند صاحبه، من غير أن تزول عنه، فهو الحسد المحمود.

12-وعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لله أهلين من الناس)) قالوا: من هم يا رسول الله قال: ((أهل القرآن، هم أهل الله وخاصته)) رواه النسائي وابن ماجة وصححه الحاكم.

13-وعن بريدة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ القرآن وتعلم وعمل به ألبس والداه يوم القيامة تاجا من نور ضوؤه مثل ضوء الشمس ويكسى والداه حلتين لا يقوم لهما الدنيا فيقولان بم كسينا هذا فيقال بأخذ ولدكما القرآن )) رواه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم، وحسنه الألباني.

14-وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، أنه كان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لم يأذن الله لشيء، ما أذن لنبي أن يتغنى بالقرآن ))، يريد يجهر به.رواه البخاري
قال ابن كثير في «فضائل القرآن» له: ومعناه: أن الله ما استمع لشيء كاستماعه لقراءة نبي يجهر بقراءته ويحسنها، وذلك أنه يجتمع في قراءة الأنبياء طيب الصوت لكمال خلقهم وتمام الخشية، وذلك هو الغاية في ذلك، وهو سبحانه وتعالى يسمع أصوات العباد كلهم برهم وفاجرهم، كما قالت عائشة، رضي الله عنها: سبحان الله الذي وسع سمعه الأصوات، ولكن استماعه لقراءة عباده المؤمنين أعظم، كما قال تعالى: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ) الآية [يونس: 61] ، ثم استماعه لقراءة أنبيائه أبلغ كما دل عليه هذا الحديث العظيم، ومنهم من فسر الأذن هاهنا بالأمر، والأول أولى لقوله: ((ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي أن يتغنى بالقرآن)) أي: يجهر به، والأذن: الاستماع؛ لدلالة السياق عليه، وكما قال تعالى: ( إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الأرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ ) [الانشقاق: 1-5] أي: وحق لها أن تستمع أمره وتطيعه، فالأذن هو الاستماع؛ ولهذا جاء في حديث رواه ابن ماجة بسند جيد عن فضالة بن عبيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لَـلّهُ أشد أذَناً إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن يجهر به من صاحب القينة إلى قينته)).
وقال سفيان بن عيينة: إن المراد بالتغني: يستغنى به، فإن أراد: أنه يستغنى عن الدنيا، وهو الظاهر من كلامه الذي تابعه عليه أبو عبيد القاسم بن سلام وغيره، فخلاف الظاهر من مراد الحديث؛ لأنه قد فسره بعض رواته بالجهر، وهو تحسين القراءة والتحزين بها قال حرملة: سمعت ابن عيينة يقول: معناه: يستغنى به، فقال لي الشافعي: ليس هو هكذا، ولو كان هكذا لكان يتغانى به، وإنما هو يتحزن ويترنم به، ثم قال حرملة: وسمعت ابن وهب يقول: يترنم به، وهكذا نقل المزني والربيع عن الشافعي، رحمه الله.اهـ كلام ابن كثير.
وحديث فضالة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لله أشد أذنًا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن يجهر به من صاحب القينة إلى قينته) فسره أبو عبيد في فضائل القرآن فقال: يعني: الاستماع. وقوله في الحديث الآخر: ((ما أذن الله لشيء))، أي: ما استمع.اهـ
وقد روى أبو داود وابن ماجة عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من لم يتغن بالقرآن)) قال وكيع: يعني: يستغنى به، وهو مذهب ابن عيينة وهو الذي ذهب إليه الإمام البخاري من أن المراد الاستغناء بالقرآن عن غيره، حيث أورد البخاري هذا الحديث تحت ترجمة: ((باب قوله تعالى: ( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) [العنكبوت: 51])). وهو مذهب الإمام أبي عبيد رحمه الله حيث قال في فضائل القرآن: حدثنا أبو اليمان، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم، عن المهاصر بن حبيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أهل القرآن، لا توسدوا القرآن، واتلوه حق تلاوته آناء الليل والنهار، وتغنوه واقتنوه، واذكروا ما فيه لعلكم تفلحون)) وهذا مرسل. ثم قال أبو عبيد: قوله: ((تغنوه)): يعني: اجعلوه غناءكم من الفقر، ولا تعدوا الإقلال منه فقرا. وقوله: ((واقتنوه))، يقول: اقتنوه، كما تقتنون الأموال: اجعلوه مالكم.اهـ
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (9/ 68): أشار بهذه الآية إلى ترجيح تفسير ابن عيينة: يتغنى: يستغني كما سيأتي عنه، وأخرجه أبو داود عن ابن عيينة ووكيع جميعًا، وقد بين إسحاق بن راهويه عن ابن عيينة أنه استغناء خاص، وكذا قال أحمد عن وكيع: يستغني به عن أخبار الأمم الماضية، وقد أخرج الطبري وغيره من طريق عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة قال: جاء ناس من المسلمين بكتب وقد كتبوا فيها بعض ما سمعوه من اليهود، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كفى بقوم ضلالةً أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إليهم إلى ما جاء به غيره إلى غيرهم))، فنزل: ( أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ). وقد خفى وجه مناسبة تلاوة هذه الآية على كثير من الناس كابن كثير، فنفى أن يكون لذكرها وجه، على أن ابن بطال مع تقدمه قد أشار إلى المناسبة فقال: قال أهل التأويل في هذه الآية، فذكر أثر يحيى بن جعدة مختصرًا قال: فالمراد بالآية: الاستغناء عن أخبار الأمم الماضية، وليس المراد الاستغناء الذي هو ضد الفقر، قال: وإتباع البخاري الترجمة بالآية يدل على أنه يذهب إلى ذلك. وقال ابن التين: يفهم من الترجمة: أن المراد بالتغني الاستغناء؛ لكونه أتبعه الآية التي تضمن الإنكار على من لم يستغن بالقرآن على غيره، فحمله على الاكتفاء به وعدم الافتقار إلى غيره، وحمله على ضد الفقر من جملة ذلك.اهـ

15- روى أبو داود: حدثنا عبد الأعلى بن حماد، حدثنا عبد الجبار بن الورد، سمعت ابن أبي مُلَيْكة، يقول: قال عبيد الله بن أبي يزيد: مرّ بنا أبو لُبَابة فاتَّبعناه حتى دخل بيته فدخلنا عليه، فإذا رجل رَثُّ البيت، رَثُّ الهيئة، فانتسبنا له، فقال: تجار كسبة، فسمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليس منا من لم يتغن بالقرآن)). قال: فقلت لابن أبي مليكة: يا أبا محمد، أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت قال: يحسنه ما استطاع. فقد فهم من هذا أن السلف، رضي الله عنهم، إنما فهموا من التغني بالقرآن: إنما هو تحسين الصوت به، وتحزينه، كما قاله الأئمة، رحمهم الله، ويدل على ذلك -أيضا-ما رواه صح:

16- عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((زينوا القرآن بأصواتكم)) أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة بإسناد جيد.

17-عن عقبة بن عامر قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ونحن في المسجد نتدارس القرآن، فقال: ((تعلموا كتاب الله واقتنوه)) . قال: وحسبت أنه قال: ((وتغنوا به، فوالذي نفسي بيده، لهو أشد تفلتا من المخاض من العُقُل)) رواه الإمام أحمد وأبو عبيد في فضائل القرآن والنسائي في (فضائل القرآن من السنن الكبرى) وهو حديث صحيح، إسناده جيد
والعُقل : جمع العقال وهو الحبل الذى يربط به البعير، والمخاض : الحوامل واحدتها خلفة على غير قياس.
والظاهر والله أعلم أن كلا المعنيين مراد، الاستغناء بالقرآن عن غيره والتغني به بمعنى الترتيل بتحزين وترقيق. والله أعلم وله الحمد وصلى وسلم الله عليه نبينا محمد
وللحديث صلة...

سعد بن شايم
مدير الدعوة والارشاد بمدينة عرعر


خدمات المحتوى


التعليقات
#28598 Saudi Arabia [ولد الفلنطي]
05-07-2012 11:42 AM
جزاك الله خير يا شيخنا وبارك الله فيك

[ولد الفلنطي]

#28602 Saudi Arabia [هزار ولد بو نزار]
05-07-2012 11:52 AM
جزاك الله ياشيخ وكثر الله من امثالك

دروسك غاية في الفائدة نتعلم منها الشيء الكثير.

شيخنا استميحك عذرا فأنا اخذ ما يكتب هنا من لدنك

واقوم بطباعتها لقراءتها بأي وقت

[هزار ولد بو نزار]

#28623 Saudi Arabia [علي اخو حسين]
05-07-2012 06:15 PM
جزاك الله خير ياشيخنا الفاضل

اتمنى من ابو فارس واللي معه

يخصصوا لك زاوية لنتعلم من دروسك

جزاك الله خير

[علي اخو حسين]

#28643 Saudi Arabia [ابومحمد]
05-08-2012 01:39 AM
موسوعة علمية صراحة







مقال متعوب عليه










الله لا يحرمك الأجر ياشيخ سعد

[ابومحمد]

#28658 Saudi Arabia [ابن العلي]
05-08-2012 05:28 AM
ياشيخنا الفاضل هل تعلم بان القرآن اصبح مادة ثانوية في المدارس

معظم المدارس او المدرسين في حصة القرآن . ياغايب او يجي الحصة وقرقة مع الطلاب

حتى الطالب مايجب القرآن معه



!!!!!!!!!!!!!!!!

جزاك الله خير

[ابن العلي]

#28659 Saudi Arabia [شمري رفحاء]
05-08-2012 05:37 AM
سبحان الله في هالزمن صار القرآن لا يقرأ إلا وقت رمضان او بعض الصلوات

ياشيخنا أتمنى منك ومن بعض مشايخنا الكرآم التحقق من هذا الأمر

[شمري رفحاء]

#28756 Saudi Arabia [saad]
05-09-2012 10:45 AM
سعادة الشيخ سعد شايم شكرا لوضعك دروس

ياشيخ اتمنى منك معرفة سبب عدم تدريس القرآن الكريم بالمدارس خصوصا الثانوية؟

[saad]

#28930 Saudi Arabia [أحمد عطيه]
05-13-2012 01:12 AM
جزاكم الله خيرا شيخنا ونفع بكم

[أحمد عطيه]

تقييم
10.00/10 (5 صوت)




Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.

صحيفة عرعر اليوم
الرئيسية |الأخبار |المقالات |الصور |البطاقات |الفيديو |راسلنا | للأعلى