أي جمال تضوع مسكه بين ثنايا هذه التغريدة ؟! وأي ثراء فكري خضب بعبير أصالة البيان . إذن لي أبا خالد بهذه الوقفات السريعة التي توائم هذه الفترة الصباحية القصيرة :
-رائع هذا المطلع سبع سمان... وجميل هذا التشبيه الأخاذ فالقمح رمز البركة ببرائته نما من من دمع السحاب فكيف لو كان هتانا؟ فيا الله كم أوحت لي هذه (الدمعة) من إيحاءات ...أسقطها لطفا على المعنى القريب قحط السماء ..... آو أسقطها تكرما على الظروف المحيطة بهذه البلاد ... فعلى كل حال هي سبع حافلة بالسمن والنماء فلا غرابة أن يتخذها التأريخ شاهدة على معانقة الإنسان للشهب تلك (المعانقة) والتي من لوازمها الحب والتواضع ونبذ الظلم والغطرسة.على الرغم من تسنم صهوة المجد.
- كل بيت في هذه العروس مرشح أن يكون بيت القصيد وذا أمر يشف عن عاطفة صادقة ، وتفاعل حي مع هذه المناسبة ، لكن لعلك توافقني الرأي أن ما يستحق الترشح بواسطة العقد هو :
أحبك الناس حبا لا رياء به .... وأصدق الحب فطري بلا سبب
تصارع هذا البيت وصنوه:
تسلق الصبح متن الليل فانفلقت.....مسيرة المجد بل أسطورة الحقب
فعلى الرغم من جمال هذه الصورة الساحرة (تسلق الصبح)قوة الليل (متن الليل) وهذا الانتقال السلس المنطقي من (مسيرة المجد) إلى (أسطورة الحقب) إلا أنني جعلت السبق للأول ؛ فموضوعه الإنباء عن مشاعر الحب وحسبك بالإنباء عن الأحاسيس الجمعية (كل الناس) المنبثقة عن صدق وعدم تصنع لا سيما وقد أمهرها شاعرنا بفلسفة عقلية زينتها مفردة (الحب) في ثنايها: وأصدق الحب فطري بلا سبب. وهو أمر أزعم أنه بكر
ثم أن هذا البيت يحرك المياه الراكدة ويتير تساؤلا قد تختلف فيه وجهات النظر: هل ثمة حب فطري دون سبب ؟ ويثير اخر : أيهما الأليق الحب الفطري أم ماكان بسبب؟
وكل نتاج أدبي يحرك الذهن يخرجنا عن الرتابة ويستحلب حركة الفكر في المعنى وأظنك تشاطرني الرأي أيها القارئ الكريم : أن في البيت إشارات جملتها الرمزية هنا أن السبب المنفي هو المصلحة الشخصية و
التي من لوازمها الرياء أما الحب الفطري فلا يعني أنه حب دون سبب بل بسبب غير الماديات وما دار في فلكها ،
مواطن الجمال في هذه المقطوعة كبير تعال تكرما إلى هذا البيت؛ إن العقال الذي ميلته به اعتدلت. به عقول عن الإفساد لم تتب لا أريد الإسهاب في بيان روعة هذه المجانسة بين العدل والميل في المعنى ولا أريد الإطالة في الحديث عن جمال الهيبة بسلوك طريق الاعتدال على الرغم من تعشيش الفساد دونما توبة تعال إلى عدول الشاعر عن الفعل (أملته) إلى(ميلته)ودعنا أولا نزيل التباس قد يطرأ عن غصاحة الكلمة وأنها فصيحة لها نظائر (أزال) و(تزيل) (ولو تزيلوا) أو بالعدول إلى الاشتقاق من ( الميل)واستعمال الصفة الملازمة الدارجة أولى من التحول إذا كان ثمة ما يسعف .
لعل للحديث بقية بإذن الله.
تعال - على الرحب والسعة - على عجالة نكمل تلمس الجمال ومواطنه :
أتتك حمّالةُ الألقاب خاضعةً
فلم تجدها سوى حمّالة الحطبِ
مبهر هذا الجناس (حمالة الألقاب) و(حمالة الحطب) ثم صاحب الرأي ليس واحدا بل كثر (حمالة الألقاب) وأتوا بكل أدب وتسويق (خاضعة) ومع ذاك لم تخدعه سكرة الملك والأبهة وإنما اختار (خادم الحرمين) وعلى الرغم من هذا التلطف وهذه الكثرة المسوقة لقبول ألقاب العظمة إلا أنها لم تغير من نظرة الممدوح لإلقاب التعظيم وبقي على مبدأه واعتبرها (حمالة الحطب).
وتعال إلى جانب آخرالحديث عن البيعة لكن الشاعر انبهر وأبهرنا معه بصفات الممدوح إلا أنه لم ينس البيعة بل ربط المتذوق خلال مفردات بتها بين خمائل القصيدة تدور حول البيعة والحكم (سبع العمر الزمني للبيعة .... المجد با يعكم... مسيرة .... مسيرة مطمئنات قوافلها ..... يا سيدي يا إمام ......آمن ... للمسلمين حملت......يقوده ).
خذ مقطوعة من هذه الرائعة واقرأها قراءة فصيحة على مسمع أحد المتذوقين للفصحى واطلب منه نسبتها زمنيا أظنه دون مبالغة سوف ينسبها إلى أوج جمال الشعر العباسي ثم أخبره عن شاعرها لترى أيطرب زامر الحي أم لا أظنه سيغير نظيرة أن زامر الحي لا يطرب بل يطرب ويطرب
أظنني أطلت لكن آمل ألا أكون قد أمللت فشكرا لك من الأعماق أبا خالد ومزيدا من هذه الروائع .