طلب الفتوى بين الهوى والتقوى
بسم الله الرحمن الرحيم
كثير من المسلمين يحرص على دينه ويسأل عن كثير من المسائل حتى ولو فات وقتها، وهذه ولله الحمد علامة على الخوف من الله والحرص على مرضاته، وهؤلاء الناس اتخذوا الفتوى وسيلة لمعرفة الحق الذي يرضي الله تعالى فاجتهدوا في طلبها من مضانها الصحيحة، وإذا عرفوا الحق تمسكوا به ولم يبحثوا عن الترخيصات الضعيفة والأقوال الشاذة المخالفة للقول المحكم الصحيح، فهؤلاء لهم نصيب من قول الله تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين)
وفي المقابل طائفة من الناس اتخذت الفتوى وسيلة للوصول لما تشتهي من الترخيصات الضعيفة التي تهواها أنفسهم على قاعدة المثل العامي الجائر (حطها بذمة عالم واطلع منها سالم)!!
أما علم هؤلاء أن العبد لا يخرج من تبعات تصرفاته وعهدتها إلا إذا اتقى الله فيها من حيث القصد والصواب فيكون قصده صالحاً وعمله صواباً موافقاً للشريعة.
والأعمال لا تخرج أحكامها عن ثلاثة احتمالات، حرام بين أو حلال بين أو مشتبه لم يتبين، وقد بين هذا الأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله :
«الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» متفق عليه .
بين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن مرجع ذلك إلى صلاح القلب وفساده، وأن القلب الحي الصالح يتقى الحرام والشبهات التي مع استمرار العبد في الوقوع فيها يجره إلى الجرأة على الحرام لكثرة التساهل والملابسة للشبهات يضعف القلب حتى يستمرئها بل قد يحبها ولا يكرهها وعند ذلك يبحث عن الأقوال المليحة ولو كانت خاطئة ويخادع نفسه ويقنعها بأن عالماً أفتى بجواز ذلك!! والواجب عليه أن ينظر لما فيه التقوى بالنسبة لنفسه بغض النظر عن اجتهاد من أخطأ، فإن العالم قد يتقي الله ويجتهد ويصيب أو يخطئ لسبب من الأسباب العارضة فلا يصيب الحق، ويكون معذوراً عند الله لأنه اتقى الله في اجتهاده كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر»
فالواجب على العبد أن يتقي الله حتى في أخذ العلم والفتوى لأن الله تعالى يقول(فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) : وهم العلماء .
ويجب على العبد أن يتقي الله في التسليم لحكمه وإذا اشتبهت عليه الأمور فليحرص على ما هو أقرب للتقوى وبراءة الذمة وليعلم أنه يتعامل مع العليم الخبير الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض لا في السماء .
وإذا ارتاب في شيء فليتركه لله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«دع ما يريبك إلى مالا يريبك» رواه الترمذي وغيره بسند صحيح . وقال عليه الصلاة والسلام:«الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس» رواه مسلم وعن وابصة بن معبد الأسدي ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لوابصة : «جئت تسأل عن البر والأثم» قال قلت نعم قال فجمع أصابعه فضرب بها صدره وقال:«استفت نفسك استفت قلبك يا وابصة» ثلاثا «البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وان أفتاك الناس وأفتوك» رواه أحمد وأبو داود.
واما الحديث الذي رواه أبود داود وابن ماجة عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أفتي بغير علم كان إثمه على من أفتاه، ومن أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه»
فالمراد به الترهيب من التسرع في الفتوى وبيان سلامة من اتقى الله وظن صواب المفتى، فهو معذور عند الله والجرم على من أفتاه بالخطأ.
أما من لم يتحر في أنواع المفتين ولا اتقى الله في التزام الفتوى فإثمه على نفسه، والله أعلم وصلى الله على تبينا محمد وآل وصحبه وسلم
كتبه
سعد بن شايم
مدير مركز الدعوة والإرشاد بعرعر