إن كنت لا تدري
كنت في الماضي القريب أعيش بسلام يمكن القول انه كان محدودا, لكنه كان كافياً بالنسبة لي ولطموحاتي الصغيرة, كنت أعاني ولا اخص نفسي بهذه المعاناة بل كان كل من حولي مشابه لوضعي إلا من رحم ربي, كنت أعاني من صعوبة انتقالي من مكان إلى أخر لعدم وجود وسيلة نقل تنقلني, كنت أعاني من قلة المال وشحه, فليس كل ما أريده أستطيع الحصول عليه ولم يتوقف شح المال على الأشياء التي تعتبر من الكماليات بل في بعض الأحيان جبرتُ على الاختيار بين أساسيات في لباسي وطعامي لعدم وجود ما يكفي المال لتوفيرها كلها.
من يقرأ كلامي هذا يقول: أين سلامك الذي تزعم العيش فيه وهذا حالك؟ الجواب بسيط جداً, رغم كل ما عايشت من معاناة لم اسمع في ذلك الوقت بكلمة فساد, اعني أني اعرف ما تعني لغوياً ولكني لم أرى بعد من يمثلها خير تمثيل في ذلك الوقت إلى أن بدأت تنتشر مثل الطاعون في كل مكان, فلا يكاد يخلو مجلس أو استراحة من هذه الكلمة, حتى في العمل والسوق والمواقع الإلكترونية الاجتماعية. أصبحت بلا منازع الكلمة العربية الأكثر استخداماً. هذه الكلمة لها من اسمها نصيب, فمجرد سماعها مراراً وتكراراً افسد نفسي علي وأفسدني على نفسي, فلم اعد اهنأ بشيءٍ رغم أني الآن على عكس ما كنت فيه في الماضي, فلدي الآن وسيلة نقل ووظيفة من أفضل الوظائف التي يمكن الحصول عليها في بلدنا, ولدي كل ما كان يخطر في بالي ولكن كلي شوقَ أن أعود كما كنت جاهلا بالفساد معافى منه.
كان في جهلنا بالفساد راحةً لنفوسنا, كنا عندما نرى شارعنا اللي جدد قبل عام بكلفةٍ كان بإمكانها أن تجعله من ذهب محطماً مكسراً لا يوجد بينه وبين شارع بني قبل أربعين عاماً فرق سوى بالتكلفة, كنا نراه شيئاً عادياً فهذا هو حال شوارع المدينة كلها, أما الآن فنراه جريمة لا يمكن السكوت عنها , وكذلك هو الحال مع المستشفيات والمدارس وبقية الخدمات, أما السوق وبضائعه فحدث ولا حرج.
منذ أن عرفنا كلمة فساد لم يهنأ لنا عيش, فما زلنا نتحدث ونحلل ونخطط, فالجاهل والعالم يتساويان بالمعرفة عند الحديث عن الفساد.
أن الوضوح في أمورنا وفي حياتنا شيءٌ جميل وهو مطلوب إذا كان في الكشف والوضوح فائدة وإصلاح, المصيبة انه لا يوجد شيء في وقتنا الحاضر اشد وضوحا وشفافية من الفساد ومع هذا لا توجد فائدة ولا إصلاح يذكر, بل على العكس كل النتائج من هذا الوضوح سلبية لا نقاش فيها, فما الفائدة من كل هذا الكلام عن الفساد والتحليل إذا لم يتم علاجه والتصرف فيه.
إلى إخواني والى زملائي في العمل والى أصدقائي في الاستراحة, أرجوكم كل الرجاء, يكفي تنغيصا لعيشنا, لا للحديث عن الفساد لا للتحليل والنقاش فيه ما دمنا لن نفعل شيءً ولم يكن هناك فعل يرافق القول.
أن كنت لا تدري فهي مصيبة, و إن كنت تدري و لا تفعل شيئاً فالمصيبة أعظم.
كتبه
عبدالرحمن القدير
|