أيديولوجيا
عندما يطلق سراحك ماديا على أساس أنك حر بشرط أن تمارس حريتك بسرعة معينة وعلى مسار معين هذا يعني أنك ما زلت أسيرا سجينا فاقدا لحريتك وهو أشبه بقيادة مركبة تفتقد للسيطرة عليها بسبب تلك السرعة وبسبب ذلك المسار المحدد مسبقا.
نعم يا سادة! إنها الأيديولوجيا التي ولدت في القرن العشرين والتي قضت على آخر فرصة لنعيش في الحياة أحرارا كما خلقنا الله حيث دفع هوس الإنسان بالسلطة والكبر أن يستعبد أخيه الإنسان وينتزع منه حريته ويتحكم في كل شيء بحياته وأحيانا حتى بمماته بأن يسخّر كل السبل والطرق والأنظمة لتحقق هذا الغرور والكبرياء المقيت.
فجيش هذا المستعلي الجيوش وأرسل فرق الاستطلاع والتجسس وجند المستشرقين والباحثين والمفكرين والفلاسفة والعلماء لهذه الأغراض فابتكروا المذياع ووضعوا النظريات والاستراتيجيات حتى يتحقق ذلك في أكبر عدد ممكن من البشر فيكون لسيدهم ما يريد من استعباد البشر.
إن الأيديولوجيا مجموعة من الأفكار تتميز بأنها ذات سلطة على الإدراك وقدرة على توجيه عمليات التقييم لديهم وتوفر أيضا التوجيه نحو العمل ولا بد أن تتماسك منطقيا على الأقل فيتم من خلالها التحكم بحياة البشر اجتماعيا وأخلاقيا ودينيا وسياسيا واقتصاديا فلا تعود حياتهم حرة أو ملكا لهم بعد ذلك بل هي رهن اشارة لذلك المستبد الحاقد على المجتمع البشري يتصرف بها كما يحلو له.
أحيانا تأخذني الأمنيات والأحلام في يقظتي أن أعيش في حقبة مضت قبل أن تنشأ هذه المشؤمة "الأيديولوجيا" على الأقل في زمن ما قبل الحرب العالمية الثانية التي كانت المسمار الأخير في نعش الحياة الحرة وكيف كان الفرد يختار فيها حياته وأفكاره وسلوكه دون أي قيود أو قضبان تضرب حوله لا ماديا ولا معنويا.
كم هي مفعمة بالحيوية والنشاط والإثارة والدهشة والابتكار والمتعة والرفاهية تلك الحياة مع الحرية الحقيقية التي يتجرع البشر اليوم مرارة فقدها ويتعرض لسلسلة لا تنتهي من الكوارث والأزمات بعدها.
لقد جاء الإسلام باعثا للحياة من جديد ومحطما لكل أسوار العبيد التي وضعها أصحاب المنافع والمصالح وعزز حرية الإنسان وخلصه من جميع أطواق العبودية إلا للواحد المستحق لها "الله".
وقد يظن البعض أن الإسلام هو أيضا أيديولوجيا دينية ولكن هذا غير صحيح فالإسلام لم يشكل عقيدة فقط بل استعاد (سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا ( 77 )) سورة الإسراء. وهذه ليست أيديولوجيا لأنها ليست اعتمادا وحيدا على رأي وحيد لا من الحضارات الإنسانية ولا من العقائد الشخصية الفردية التي هي سمة الأيديولوجيا الأساسية ، كما جاء في بحث الدكتور (هاني يحيى نصري) المقارن في القناعات الدينية العالمية خارج إطار المعرفة العلمية.
إلا أن الشر في الإنسان يأبى إلا أن يحرف كلم الله ويحوله إلى أيديولوجيا غبية بدل أن تمنح الإنسان حريته تقضي عليها ولا سبيل للخلاص من هذا التحريف والتشويه إلا بالعودة إلى القرآن الكريم وإتباع أمره في تفكر أولى الألباب وهذا أمر ليس يسيرا ولكنه أيضا ليس مستحيلا ، ورغم أن البعض يعد ذلك مخاطرة إلا أنها مخاطرة تستحق ، فلو أننا خسرنا فيها أرواحنا لا تعد تلك خسارة حقيقية إذ أن العيش على أنماط الأيديولوجيات لا يختلف كثيرا عن الموت بل أنه هو الموت بعينه الذي تفرون منه.
بندر دحام المجلاد
almjlad@
|