ثقافة الـ(بانيه) !!
شدني كثيراً خلال تصفحي لبعض صحف الأسبوع الماضي عروض رمضانية لأشهر السوبر ماركتز في وطننا الغالي ، سباق اعلاني وتجاري كبير بين ( بنده وكارفور والعثيم والدانوب وبلشرف وغيرها ) وليس امامك عزيزي القارىء الا التدقيق فيما تحتاجه ثم توجيه بوصلة محفظتك الى المكان الأفضل ، ولكن للأسف ليس لك هذا يا ساكن عرعر لأن كل تلك الخيارات المتعددة ليس لديك في هذه المدينة أي منها !
أقلب الصفحة تلوى الصفحة واتنقل بين بعض مواقع الانترنت وفي كل صفحة او موقع يظهر لي اعلان جديد وعقلي يتذكر ( في زمن التطور التكنولوجي ) تلك الأوراق البالية والحاسبة القديمة التي لازال يستخدمها افضل واقدم مركز مواد غذائية (جملة ومفرد ) في عرعر لحساب قيمة المشتريات !
اتصفح واتذكر تلك القصة الطريفة التي ذكرها لي احد الأخوان حين تسوقه لشراء مقاضي رمضان من احد اشهر المحلات في عرعر ، حيث يقول : ( كلما اشتري شيء اجد في مكان آخر في نفس السوبر ماركت عرض من الشركة المنتجة للسلعة مع هدية أو بسعر أقل لنفس ما اشتريته فأعيد ما اشتريت واشتري من ذلك العرض حتى ان الأمر تكرر عليّ في أكثر من سلعة ، ولو كان هناك شخص يراقبني لضحك على تصرفاتي وكأنني مجنون ! ) ، ونصحني هذا الاخ بعد كلامه السابق بأن اقوم بزيارة السوبر ماركت مرتين ، الأولى تجريبية للمشاهدة والاستطلاع فقط والثانية للشراء بعد أن أكون قد أخذت فكرة عن العروض والأسعار لدى السوبر ماركت التي اريد الذهاب اليها !
فالتسويق لدينا في عرعر لازال ينتهج النهج القديم ولم يتغيّر ! ، نهج العصور الوسطى وماقبل العصور الوسطى ، نهج مكرهٌ أخاك لا بطل ، ونهج ما فيه في هالبلده إلا هالولد ! ، ما يحصل في التسويق لدينا وفي اغلب المواسم واغلب المحلات يذكرني بكلام قاله لي احد العسكريين القدامى مقارناً بين العسكرية سابقاً وحالياً ، حيث يقول : مع الشدة العسكرية قبل سنوات عديدة ، بُلينا بعسكري برتبة (عريف) متسلط حتى ببعض خصوصياتنا ! ، وكان من ضمن امتداد مدى التسلط لديه تحكمه بوجبة العشاء في تجمعنا ، حيث كان (العريف) من مدمني (الباميا) وكان يومياً يلزمنا في تناولها كوجبة عشاء حتى انه لا ينطقها بطريقة صحيحة بل يقول في كل يوم : عشانا اليوم .. (بانيه) ! ، وكأن العشاء في الليلة السابقة كان مختلفاً عن هذه الليلة حتى يذكرنا بهذه (الوجبة) !! ،
الحكاية السابقة تشبه كثيراً مايمارسه اغلب التجار في مدينتنا الحبيبة ، فالتوجه والفكر لديهم واحد ولم تغيره السنون ولم تؤثر عليه عوامل التعرية والتعبئة الاقتصادية ! ، وليس لدينا كمواطنين حلول سوى السفر للمدن الأخرى لشراء ما نريد من حوائج كذهابنا للمدن الكبرى للعلاج ! ، أو أننا نقتنع بفكر (البانيه ) !
ورغم كل ما قلت وما شاهدت وما يجري حولنا إلا أننا لن نتشائم وسنظل نتفائل في زيادة حدة التنافس وتنوعه في المدينة وقدوم المستثمرين الكبار فكراً تجارياً وتسويقياً الى المنطقة لتغيير الكثير من الافكار التجارية وتنشيط الحركة التجارية في المنطقة لما فيه فائدة للمكان والزمان والمواطن .
اعلم جيداً ان بعض العروض التجارية بسيطة وبالهلالات وبعضها على منتجات قد تكون غير معروفة أو منتجات خاصة بنفس الجهة التسويقية وذلك لتصريفها اضافة للعروض القيّمة على المنتجات الكبرى ولكن المستهلكين مختلفي الدخل فليس كلهم يستطيعون شراء الأفضل دائماً وفي الاختلاف والتنوع رحمة وأيضاً كل ذلك ما هو الا دلالة على ان التاجر يربح وبشكل كبير ومبالغ فيه احياناً ولكن مع المنافسة الشديدة واختفاء صبغة الاحتكار يقدم التجار تنازلات عدة عن بعض (ارباحهم) ويقتنعوا ببعض الأرباح حفاظاً على عدم كساد بضاعتهم وحفاظاً على عدم فقدان المستهلك والزبون وهذه التنازلات هي التي (تفرق) لدى المستهلك الذكي ، وهذا سبب احتياجنا للعروض التجارية والاعلانات التسويقية في مدينتنا الغالية (عرعر) لتزيد الحركة التجارية ويستفيد التاجر والمستهلك وأكبر مثال على ذلك هو دخول وكالات السيارات في المنافسة التجارية في عرعر وعروضها المتعددة في وقت كان فيه احتكار خاص لبعض معارض السيارات الشخصية حيث لاحظنا منذ دخول هذه الوكالات للمدينة تغيّرت نوعية المركبات في المدينة وزاد عدد الجديد منها ، وقد يقول قائل ان كل ذلك لمصلحة التاجر واصطياد للمستهلك ، وفي الحقيقة أن الواقع والظروف والبيئة هي من يفرض هذا الأمر والمستهلك دائماً وهو متعلق في ( سنارة ) التاجر لأنه مرتبط من الناحية الاستهلاكية بمنتجاته ولا يمكنه الانفصال عنها الا اذا كان يعيش في صحراء او جزيرة نائية يقتات فيها على ماتنبته الارض من مأكولات ويشرب ما تمطره السماء ولكن أن يتعلق على شيء يستفيد منه أفضل من أن يتعلق دون فائدة ! ، فالتاجر لن يسلمك بضاعته ببلاش ولكن بإمكانه تحت وطئة الظروف والمنافسة أن يسوقها لك بحيث تتذوق من خلال العرض (طعم) البلاش !!
اضافة لكل ماسبق فإنه لا يوجد لدينا في عرعر ثقافة عروض تجارية وتسويق اعلاني لدرجة ان البعض ممن لديه دخل عالي يخجل عندما يذهب لأماكن التخفيضات ويشاهده الآخر وهو يتسوق في هذه الاماكن في وقت يتسابق فيه الآخرون في مدن ثانية لأماكن العروض التسويقية لديهم ويحرصون عليها وتجدهم من مختلف الطبقات والدخل في هذه الاماكن دون خجل او تردد بل بكل ثقة وذكاء مستغلين بذلك فرص يتنازل فيها التجار عن طمعهم المبالغ فيه !
اشياء كثيرة نحتاج تغييرها في ثقافتنا الاستهلاكية في هذه المدينة ولكنها لن تتغير بالشكل الذي نريد حتى يزيد عدد المتنافسين في الميدان التجاري في عرعر وحتى يتحقق ذلك الامر نحاول التأثير والتغيير وننتظر !
آخر سطر
مبارك عليكم الشهر اعاننا الله على صيامه وقيامه ، وكل عام وانتم بخير
خالد المحيني
|