كُفر النعمة !
من رسالة ومنهج سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم أن نهانا عن «الإسراف» في كل مناحي الحياة، «والتطرف والغلو نوعان من الإسراف في الدين»، بيد أن تصرفاتنا لا تدل على تماشينا مع ذلك التوجيه الرباني، «فالإسراف» يجري في عروقنا مجرى الدم، حتى صار عادةً وتقليداً للمجتمع، وسأقدم بعض الشواهد لأبرر اتهامي المحتد لبعض تصرفاتنا! فنحن نُسرف في المأكل والمشرب حد اللامبالاة، فيطبخ في المنازل وفي المناسبات والأفراح من الطعام أكثر بكثير مما يؤكل، فترمى أطنان الغذاء في مكب النفايات، أليس هذا التصرف «كفراً بالنعمة»! ونسرف «بالماء» الذي هو في الأصل شحيح وتعاني غالبية دول العالم من نقصه، فيحذر علماء الاقتصاد أن الحروب اندلعت وستندلع للسيطرة على مكامن المياه، فلنتخيل كم كمية المياه التي نهدرها في المنازل والمساجد؟ «وعلى طاري» المساجد فلو سُرب الماء فيها أثناء وضوء المصلين إلى شعابنا الجرد لأصبحت كالأنهار! فتجاهلنا توجيه النبي محمد صلى الله عليه وسلم حين مرّ بسعد بن أبي وقاص وهو يتوضأ فقال (ما هذا الإسراف؟)، فقال: أفي الوضوء إسراف؟ قال (نعم وإن كنت على نهر جارٍ).
ونحنُ نسرف بالخدمات الحكومية التي توفرها الدولة بأسعار مدعومة «مثل المشتقات النفطية والكهرباء» فلو رفع ذلك الدعم سيتغير سلوكنا حتماً إلى الحرص وعدم الهدر! فالمنازل مضاءة ومكيفة سواء كنا داخلها أو خارجها، وكثير من الأسر «إلا من رحم ربي» تمتلك عديدا من السيارات، ولكل ابن سيارة خاصة بلا سبب مقنع! فيتسكع بها وهو لا يحتاج إلا لمبلغ بسيط لتعبئتها بالوقود لكي يمارس حماقاته كالتفحيط وإزعاج العائلات في الأسواق والمتنزهات! وأمر من ذلك كله بعض الناس بل كثير منهم في مجتمعنا يسرف في «الدين» فيتطرف في رأيه لحد الغلو فيكفر مجتمعه متجاهلاً وسطيته ورأي الجماعة وقبل ذلك توجيهات الرسالة المحمدية! .
ناصر خليف [/justify]
|