10-06-2025 12:10 AM عرعر اليوم : الضربة الإسرائيلية لقطر والتحالف السعودي الباكستاني تحليل للدوافع والتداعيات مقدمة في أعقاب أي صدمة أمنية كبرى في المنطقة، تسارع الدول إلى إعادة تقييم ترتيباتها الأمنية. والضربة الإسرائيلية على قطر، باعتبارها اختراقاً للسيادة الخليجية، هي بالضبط نوع الصدمة التي تدفع قادة المملكة العربية السعودية إلى تفعيل خطط طوارئ طويلة الأمد، ومن أبرزها تعميق الشراكة الأمنية مع باكستان. ⸻ أولًا: هل كانت الضربة محفزاً مباشراً للطلب السعودي من باكستان؟ 1. محفز وليس سبباً جذرياً: الادعاء بأن الضربة كانت السبب المباشر والوحيد لأي اتفاق سعودي–باكستاني جديد صعب إثباته، فالعلاقة العسكرية والأمنية بين البلدين قديمة ومتجذرة (تعود إلى الثمانينيات). لكن يمكن تحليل دور الضربة كالتالي: • عامل تسريع (Catalyst): الضربة مثلت “جرس إنذار” مدوياً أكد هشاشة النظام الأمني الخليجي التقليدي القائم على الحماية الأمريكية وحدها. الرسالة مفادها: “إذا تجرأت إسرائيل على ضرب قطر، الحليف الأمريكي البارز، فما الذي يمنعها من استهداف دول خليجية أخرى تحت ذرائع مختلفة؟” • توفير الذريعة أو الغطاء السياسي: مثلت الأزمة فرصة ذهبية للرياض لتبرير أي تحرك لتعزيز أمنها بشكل مستقل أمام حلفائها الغربيين، دون أن يبدو ذلك كتراجع عن التحالف مع واشنطن، بل كإجراء وقائي طبيعي في ظل تصاعد التهديدات. 2. سياق أوسع: هذا التحرك لا ينفصل عن سياق إقليمي أوسع يشمل: • تراجع الموثوقية الأمريكية: الشكوك المتزايدة في واشنطن حول التزامها بالدفاع عن حلفائها الخليجيين دون قيد أو شرط، خاصة في ظل التنافس الحزبي الداخلي الأمريكي وتوجه بعض السياسيين لتقليل الانخراط في الشرق الأوسط. • التهديد الإيراني: يبقى الهاجس الأمني الأول للسعودية، وأي تعزيز عسكري هو جزء من موازنة هذا التهديد. • تطلعات القيادة السعودية (رؤية 2030): تماشياً مع رؤية المملكة لبناء دولة شاملة وقوية في جميع المجالات، فإن بناء شراكات أمنية استراتيجية مستقلة هو أمر حتمي. ⸻ ثانياً: طبيعة الاتفاق السعودي الباكستاني – تحليل متعدد الأبعاد الاتفاق ليس مجرد “عقد شراء أسلحة”، بل هو شراكة استراتيجية شبه تحالفية يمكن تفكيكها على النحو التالي: 1. البعد العسكري المباشر: • التدريب والمناورات المشتركة: زيادة وتيرة وحجم المناورات العسكرية المشتركة البرية والجوية والبحرية بين الجيشين، مما يخلق قدرة على التشغيل البيني. • تبادل المعلومات الاستخباراتية: تعميق التعاون في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة ورصد تحركات الفصائل الموالية لإيران. • التعاون في الصناعات العسكرية: قد تتضمن الاتفاقيات نقل تكنولوجيا أو إقامة مشاريع مشتركة لإنتاج أسلحة تتلاءم مع بيئة الخليج، مستفيدة من الخبرة الباكستانية في هذا المجال. 2. البعد الاحتياطي الاستراتيجي (The “Insurance Policy” Dimension): هذا هو جوهر التفسير القائل بأنه “تحالف مستقبلي”، ويعتمد على عدة عناصر: • القوة البشرية: تمتلك باكستان أحد أكبر الجيوش في العالم مع خبرة قتالية واسعة، وفي سيناريو تصعيدي كارثي يمكن أن تشكل هذه القوة “احتياطياً بشرياً” يعوض أي نقص في القوى السعودية. • الرادع النووي الضمني: رغم استبعاد أي مشاركة نووية، إلا أن العلاقة الاستراتيجية مع دولة نووية مسلمة تعزز الموقف التفاوضي السعودي وترسل رسالة ضمنية لإيران وإسرائيل بأن لدى الرياض خيارات استراتيجية بعيدة المدى. • العمق الجغرافي: توفر باكستان عمقاً جغرافياً كبيراً وسوقاً استراتيجياً للأسلحة، كما يمكن أن تشارك في تأمين طرق التجارة والشحن الحيوية للسعودية. 3. البعد الاقتصادي: غالباً ما تكون هذه الاتفاقيات مقترنة بحزم استثمارية سعودية ضخمة في مجالات الطاقة والبنية التحتية في باكستان، مما يخلق ترابطاً مصلحياً يجعل الشراكة الأمنية أكثر متانة واستدامة. ⸻ ثالثاً: تفسير التحالف كدرع وقائي للمستقبل التفسير القائل بأن هذا الاتفاق هو “تحالف مستقبلي يحمي السعودية ودول الخليج” تفسير سليم جيوسياسياً للأسباب التالية: 1. تعدد مصادر الأمن: تسعى السعودية إلى عدم وضع “كل بيضها في سلة واحدة” أي الاعتماد الكلي على الولايات المتحدة. الشراكة مع باكستان تمثل مصدراً بديلًا أو مكملًا للأمن. 2. الاستعداد لجميع السيناريوهات: كل الدول تخطط لسيناريوهات متطرفة وغير مرغوب فيها. وجود تحالف قوي مع باكستان يمنح الرياض ورقة رابحة في الحالات التالية: • تصعيد مع إيران لموازنة القوة البشرية. • رد محسوب على أي عدوان إسرائيلي على الخليج. • مواجهة سيناريو تراجع أمريكي حاد أو انسحاب القوات الأمريكية من المنطقة. 3. القيادة الخليجية: من خلال تعزيز أمنها، تقدم السعودية نفسها كقطب أمني رئيسي وقائد للعالمين العربي والإسلامي، قادر على حماية نفسها وجيرانها في مجلس التعاون الخليجي. ⸻ الخلاصة لم تخلق الضربة الإسرائيلية على قطر التحالف السعودي–الباكستاني من العدم، لكنها عجلت به وأعطته شرعية سياسية داخل المملكة والخليج. الاتفاق هو تجسيد عملي لاستراتيجية سعودية طويلة الأمد تهدف إلى بناء نظام أمني إقليمي أكثر استقلالية ومرونة، يستعد لمستقبل قد تكون فيه الضمانات الأمنية التقليدية غير كافية. وهو ليس موجهاً ضد طرف واحد بعينه، بل هو “بوليصة تأمين” استراتيجية ضد مجموعة واسعة من التهديدات المحتملة في بيئة إقليمية متقلبة وغير مستقرة. بقلم الدكتور محمد حمود الضبيان ![]() خدمات المحتوى | تقييم |